[الدليل الثاني: السنة]
  فإن قيل: ما صدكم عن العمل بموجب الخبر، وهو الوضوء من مس الذكر؟
  قلت: لأنه معارضٌ بخبر رواه في أصول الأحكام وغيره، عن قيس بن طَلْق، عن أبيه: أنه سأل النبيء ÷: أفي مس الذكر وضوء؟ قال: «لا».
  وعنه: مثله، وعنه: «هل هو إلا بَِضعة(١) منك»، وعنه: مثله «هل هو إلا حَُِذوة منك». وعن علي # أنه قال: (ما أبالي أنفي مسست أو أذني أو ذكري)، وقوله # عندنا حجة؛ لما سيأتي إن شاء الله تعالى.
  وهو إجماعُ أهل البيت $، لا أعلم قائلاً بخلافه، وإجماعُ الصحابة أيضاً، إلا ما يروى عن ابن عمر، فإنه كان شديد التفحص في الطهارة، وكان يغسل باطن عينيه، ويتوضأ لكل صلاة. مع أن راوي الأول الزهري، وقد روي أنه أحد حرسة خشبة زيد بن علي @، وأنه خالط الظلمة وظاهرهم، وكتب إليه أخ(٢) له في الدين كتاباً يعظه فيه، ويخوفه من مخالطتهم، ومن أراد الاطلاع عليه فهو في شرح الأساس الصغير حكاية عن الكشاف.
  الحذوة - بالحاء المهملة المثلثة -: القطعة، وهي المراد هنا. وبالجيم: النار، والله أعلم.
[شروط جواز قبول العمل بالآحاد]
  (وشروط قبولها) أي: جواز قبول المكلف لها فيما يتعلق بها حكم شرعي أمور: منها ما يرجع إلى المخبِر، ومنها ما يرجع إلى مدلول الخبر.
  فالأول: هو (العدالة) وهي لغة: عبارة عن التوسط في الأمر من غير إفراط إلى طرفي الزيادة والنقصان. واصطلاحاً: ملكة(٣) في النفس تمنعها عن ارتكاب الكبيرة والرذيلة(٤).
(١) بالفتح: القطعة من اللحم، وقد تكسر. نهاية.
(٢) أبو حازم.
(٣) الملكة: هي الهيئة الراسخة.
(٤) والرذيلة مشار بها إلى المحافظة على المروءة، وهي أن يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه، فيشمل صغائر الخسة، أي: ما يدل على خسة النفس ودناءة الهمة، كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة.