[النهي عن الشيء ليس أمرا بضده]
  والرازي والآمدي: أنه (ليس نهياً عن ضده) فلا يكون عينه؛ إذ ليس مدلول الأمر مدلوله، ولا يتضمنه؛ إذ ليس بعض مدلوله، ولكنه يستلزمه. محتجين بأنه لا يتم الواجب والمندوب إلا بترك ضده، لأن الضد الذي فيه النزاع هو ما يمنع عن فعل المأمور، فلو لم يستلزم الأمر بالشيء النهي عما يمنع من فعله فلا أقل من التخيير في فعل المانع وتركه على السواء، وأنه يرفع تحتم(١) المأمور به أو رجحانه(٢)، وهو باطل، وما أدى إلى الباطل باطل، فثبت أن الأمر به يستلزم النهي عن ضده، وهو المطلوب.
  وبهذا يظهر دخول هذه المسألة في مسألة: ما لا يتم المأمور به إلا به(٣).
[النهي عن الشيء ليس أمراً بضده]
  والخلاف في النهي هل هو عين الأمر بضده أو لا كالخلاف في الأمر.
  والصحيح عند أئمتنا $ والمعتزلة ما أشار إليه بقوله: (ولا العكس)؛ لاستلزامه أن يكون الزنا واجباً من حيث هو ترك لواطة؛ لأنه ضده(٤)، وبالعكس؛ فتكون اللواطة واجبة من حيث هي ترك الزنا، وبطلان ذلك معلوم ضرورة.
  ومن فوائد الخلاف في هذه المسألة أنه هل يستحق العقاب بترك المأمور به
(١) كما في الواجب.
(٢) كما في المندوب.
(٣) لا يقال: إن الكلام هناك في الأمر بالمقدمات وهنا في النهي عن الموانع؛ لأنا نقول: عدم المانع وإن لم يكن جزءاً من المقتضي - بالكسر - فهو جزء من المقتضَى - بالفتح - مقدور، وتحقيقه: أن الكف عن الفعل المأمور به ضد للفعل ومانع منه، فلا يتم الفعل إلا بإزالة هذا المانع، وإزالته إنما تحصل بالكف عنه؛ فيكون الكف عن هذا الكف مقدمة للفعل مطلوبة لا يتم إلا بها، والكف المطلوب لا يكون إلا مطلوب نهي في الأغلب، وإن جاز طلبه بأمر من لفظه نحو: اكفف، وهذا هو المطلوب من أن الأمر بالفعل مستلزم للنهي عن ضده الذي هو الكف عنه، وإن شئنا قلنا: مستلزم للأمر بالكف عن الكف؛ لأنه مقدمة لا يتم الواجب إلا بها. ذكره في شرح الفصول بحروفه.
(٤) لأن المراد بالضد هنا: ما منع من فعل الآخر سواء كان ضداً بالمصطلح أو لا، والله أعلم.