فصل [في الكلام فيما يفعله الله من الامتحانات والابتلاءات]
فصل [في أن اللّه لا يكلف أحداً فوق طاقته]
  فإن قيل: أربك يُكَلِّف أحداً فوق طاقته؟
  فقل: لا، بل لا يكلف أحداً إلا ما يطيق؛ لأن تكليف ما لا يطاق قبيحٌ، وهو تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، والوسع: دون الطَّاقة، وقال: {إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧].
فصل [في أن اللّه لا يريد شيئاً من القبائح]
  فإن قيل: أربك يريد شيئاً من القبائح؟
  فقل: إنه تعالى لا يريد شيئاً منها؛ فلا يريد الظلم، ولا يرضى الكفر، ولا يحب الفساد؛ لأن ذلك كله يرجع إلى إرادة القبيح، وإرادة القبيح قبيحة، وهو تعالى لا يفعل القبيح.
  ألا ترى أنه لو أخبرنا مُخْبِرٌ ظاهرهُ العدالةُ بأنه يريد الزِّنا والظلم لسقطت عدالته، ونقصت منزلته عند جميع العقلاء، ولا عِلَّة لذلك إلاَّ أنه أتى قبيحاً، وهو إرادة القبيح.
  وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ٢٠٥}[البقرة: ٢٠٥]، وقال: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧]، وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}[غافر: ٣١].
فصل [في الكلام فيما يفعله الله من الامتحانات والابتلاءات]
  فإن قيل: فهل ربك يفعل لعباده ما هو مَفْسَدة؟
  فقل: كلا، بل لا يفعل إلا الصَّلاح، ولا يبلوهم إلا بما يدعوهم إلى الفلاح، سواء كان ذلك مِحْنَةً أو نعمة؛ لأنه تعالى لا يفعل إلا الصَّواب والحكمة كما تقدم، فإذا أمرضهم وابتلاهم، وامتحنهم بِفَوْتِ ما أعطاهم، فلا بُدَّ من اعتبارية المكلفين؛ ليخرج بذلك عن كونه عَبَثاً، وقد نَبَّه على ذلك بقوله تعالى: {أَوَلَا