ثالثا: أقوال في الدنيا
  ٦٨ - لو لم يكن فيها إلا متابعة الأنذال الأرذال، ومصاحبة المتسفهة، الأدنياء الأغفال لكفى.
  ٦٩ - لولم يكن فيها إلا أن صديقها المشغوف بها والواله بزخرف غرورها، والناد عنها المنكب على بهجتها يذمها لا تحلى طعمة إلا وتَمُرُّ ضعفيها.
  ٧٠ - قال الإمام القاسم الرسي # في سياق كلام له في المغرور: فيا عجباً كل العجب كيف ركن إلى ما ذمَّ مختبره؟! وكيف استفرغه الفرح بجمع ما هو شاخص عنه؟! وكيف تعقبه الأسف على فوات ما لا يدوم له؟! وكيف يثق بما ينفد على ما يبقى؟! وكيف يُغفِلُ - بما هو فيه من النصب لمواتاة دنياه - ما يلقى؟! مع علمه ويقينه بأنه لا يبلغ منها غايةً إلا دعته إلى غاياتٍ، فمتى إن لم يَرْفض الدنيا يستريح من حاجة فيها تدعو إلى حاجات؟! ومتى يقضي شغلاً إذا هو فرغ منه فقضاه؟! عرض له أكبر منه فطلبه وابتغاه.
  ٧١ - قال الإمام القاسم الرسي # في سياق كلام له في المغرور: ففكروا رحمكم الله وانظروا، تعلموا إن شاء الله وتبصروا، أنه ليس لكم من سراء دنياكم، وإن طالت صحبتها إياكم، إلا كطرف العيون، فهي للجاهل المغبون، من ذي دناءة أو لوم، أو فاجر عميٍّ ملعون، قد صارت الدنيا كلها له، فليس يأخذ أحدٌ منها إلا فضله، فقدرته - وإن لَؤُمَ ودنا، و كان فاجراً معلناً، على كثير من كرائم النساء، ونفيس المراكب والكساء - قدرة الأبرار، وأبناء الأحرار.
  ٧٢ - والدنيا أعانكم الله فيما خلا، وإذ كانت تضرب لفساد أهلها مثلاً، وإنما كان يمسخ أهلها وأنسها، فمسخت الدنيا اليوم نفسها، فلم نترك - والله المستعان - مِن ذكرنا لها زينة ولا بهجة، وعادت الدنيا كلها غرقاً ولجة، فأمورها اليوم كلها عجائب، وكل أهلها في مكالبتها فمغتر دائب.
  ٧٣ - قال الإمام القاسم الرسي # في سياق كلام له في المغرور: أفيرجو من آثر الدنيا؟! على الله أن يكون مع ذلك لله ولياً، هيهات هيهات أطال من آثر الدنيا، عنانَ عمله الغيُ والهوى، فجمحت به نوازغ الغي المردي، وعتت به مطايا الهوى المضل المغوي، حتى أحلته دار الندامة ولاتَ حين مندم، ثم أسلمته من الحيرة إلى شر مَسلَم، فما ينكشف عنه قناع غرةٍ، ولا يتيقظ من نومِ سكرةٍ، رانت على قلبه بوادر أعمال السيئة، وفِتنُ دهرِه المضلة المعمية، فقاده أهل الدنيا، وأعنق به قائد الهوى، ومنَّتْه نفسه بالاغترار طولَ البقاء،