العتبة المنبرية في الأدلة الخطابية،

عبد الله بن يحيى العجري (معاصر)

ثالثا: أقوال في الموت

صفحة 443 - الجزء 1

  نَوَازِلَ السَّقَمِ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَأُزُوفِ الِانْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ الْجَرَضِ وَتَلَفُّتِ الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَصَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لَا تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَلَا تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالْآبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا.

  ٥٧ - قال الإمام علي #: في خطبة ذكر فيها ملك الموت وتوفية النفس وعجز الخلق عن وصف اللّه: هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلًا أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّى أَحَداً بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّى الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَ يَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا أَمْ الرُّوحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا كَيْفَ يَصِفُ إِلَهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ.

  ٥٨ - قال الإمام علي #: وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل تكبر وتهرم وتسقم، يمله طبيبه، ويعرض عنه حبيبه، وينقطع غمده، ويتغير عقله، ثم قيل: هو موعوك، وجسمه منهوك، ثم جد في نزع شديد، وحضره كل قريب وبعيد، فشخص بصره، وطمح نظره، ورشح جبينه، وعطف عرينه، وسكن حنينه، وحزنته نفسه، وبكته عرسه، وحفر رمسه، ويتم منه ولده، وتفرق منه عدده، وقسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، ومدد وجرد، وعرى وغسل، ونشف وسجى، وبسط له وهئ، ونشر عليه كفنه، وشد منه ذقنه، وقمص وعمم، وودع وسلم، وحمل فوق سرير، وصلى عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منجدة، وجعل في ضريح ملحود وضيق مرصود، بلبن منضود، مسقف بجلمود، وهيل عليه حفره، وحثى عليه مدره، وتحقق حذره، ونسى خبره، ورجع عنه وليه وصفيه، ونديمه ونسيبه، وتبدل به قرينه وحبيبه، فهو حشو قبر، ورهين قفر، يسعى بجسمه دود قبره، ويسيل صديده من منخره، يسحق تربة لحمه،