ثالثا: أقوال في علامات الساعة والقيامة
  ومشهد جليل، بين يدى ملك عظيم، وبكل صغير وكبير عليم، فحينئذ يلجمه عرقه، ويحصره قلقه، عبرته غير مرحومة، وصرخته غير مسموعة، وحجته غير مقولة، زالت جريدته، ونشرت صحيفته، نظر في سوء عمله، وشهدت عليه عينه بنظره، ويده ببطشه، ورجله بخطوه، وفرجه بلمسه، وجلده بمسه، فسلسل جيده، وغلت يده، وسيق فسحب وحده، فورد جهنم بكرب وشدة، فظل يعذب في جحيم، ويسقى شربه من حميم، تشوى وجهه، وتسلخ جلده، وتضربه زبنيه بمقمع من حديد، ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد، يستغيث فتعرض عنه خزنه جهنم، ويستصرخ فيلبث حقبة يندم.
  ٦٦ - قال الإمام القاسم الرسي #: يا أُخيَّ فلا تغفل عن الموت والبعث غفلة من يُرى من أشباه الحمير، فإن بغفلتهم عن الموت والبعث بَعُدوا كما رأيت من النجاة والفوز والحبور، فعموا عما كان ممكنا في حياتهم من الهدى والرشاد، وشقوا بعمايتهم في المرجع إلى الله والمعاد، فدام شقاؤهم وتبارهم، وأقام ندمهم وخسارهم، ثم بكوا فلم يُرحموا بالبكاء، ودعوا فلم يجابوا في الدعاء، فَنَادَوْا {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وقَالَ مالك: {إِنَّكُم مَّاكِثُونَ}[الزخرف ٧٧].
  وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}[السجدة ١٢]، وعند تلك وفيها، وعند ما صاروا إليها، قالوا: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧}[المؤمنون]، فما كان جوابهم عند قولهم وطلبهم، وعندما أُحل من سخط الله المخلد بهم، إلا أن قال: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ١٠٨}[المؤمنون].
  يا أُخيَّ فاسمع ما تسمع سماع متبع، ولا تسمعه سماع مستمع، فرب مستمع غير سميع، وسامع مطيع، كما قال الله سبحانه: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا} تأويل ذلك: لم يطعيوا ولم يعوا، {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}[الأعراف ١٩٨]، وتأويل ذلك: لا يبصرون من الهدى ما تبصرون. وفيمن سمع بالسمع ولم يسمع ولم يطع، ما يقول الله تبارك وتعالى في التنزيل، للعصاة من بني إسرآئيل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم