العتبة المنبرية في الأدلة الخطابية،

عبد الله بن يحيى العجري (معاصر)

المقدمة

صفحة 8 - الجزء 1

  غريبة وكريهة ومشوهة، وانقلبت رأسا على عقب، بل اندرس أكثرها واضمحل، ورفعت التفاهات والسخافات والأباطيل، وغدت عادات ومبادئ ومثل، ورأى الدين الإسلامي والعقائد الربانية والتعاليم المحمدية تتلون بأسباب ريح خبيثة، وتصطبغ بأصباغ المشوهين، وأصبحت له أصباغ وألوان القلق والمسخ، وصارت قيم أكثر الناس قيما أوضع من القيم الحيوانية، مستأنسين بالفجور.

  ومع ما كان يراه من الغواة الذين كرسوا جهودهم في سبل نشر وبث عقائد زائفة خرافية فيها سب لله، وتشبيه له بخلقه، وحط له من مرتبة الألوهية إلى مرتبة العبودية، ومع ما كان يرى من تغلغل الجهل بين أوساط الأمة الإسلامية، وتكالب أهل البدع، وأرباب الباطل وتهافتهم من كل حدب وصوب، وتعاضدهم على تدنيس الشريعة الإلهية، وتحريف السنة المحمدية، وانتحال الأباطيل، ومحو الصورة البهية للدين من صدور الناس، مع ما كان يشمه من روائح نتنة مقرفة منبثقة من ضمائر مملوءة بالحقد والغل والبغضاء، والتحانق الشيطاني على الأمة الإسلامية والمناهج الملكوتية - فما أن اتجهت إشارة أصبع سيدي الحجة العلامة مجد الدين # عليه بالقيام بهذه المهمة حتى ظهر تأجج نار الغيرة التي كان يتحساها في أعماقه رحمة الله تغشاه، وفي ذلك ما قاله سيدي العلامة محمد بن عبدالله عوض حفظه الله:

  إن كان مجدالدين أسس مرجعا ... للعالمين وبحر علم فيضا

  إن الحسين يمينه ولسانه ... وإليه ألقى ما هناك وفوضا

  كنت الضليع بحمل ذاك وحفظه ... علما ورحما والقوي الأنهضا

  فسبقت بالخيرات سبقا ظاهرا ... لم تلف فيهم قاعدا متربضا

  قعدوا وقمت وقصروا فسبقتهم ... لله درك سابقا مستنهضا

  قام رحمة الله تغشاه مشمرا على قدم وساق بدعوة الناس إلى التوحيد والعدل والإيمان والإخاء، دعاهم بدعوة صادقة واضحة صافية من كل ما يدنسها، واستدعى في أول أمره من ظن أنهم سيعينونه على ذلك، واستمر على ذلك العمل الملكوتي دائبا ليل نهار في سبيل هداية الناس واستنقاذهم من مستنقعات الدناءة والرذيلة إلى شواطئ العزة والكرامة.