القسم الثاني: [سبب غفلة العبد حال مناجاة ملك السموات والأرض]
  مناجاته والتقرب إليه؛ ليدخل فيها بخاطر حاضر؛ فيقول:
  {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[الأنعام ٧٩]؛ أي: صرفت وجهي إلى الجهة التي أُمِرتُ باستقبالها، تعبدًا لخالقِ السموات، ورافعِ سمكها(١)، والأرضِ وساطِحِها(٢) قرارًا للورى، حال كوني: {حَنِيفًا} أي: مائلاً بنفسي عن كل دين غير هذا الدين، {مُسْلِمًا} أي: مستسلماً منقادًا لأمر ربي، {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لغيره في عبادتي له، {إِنَّ صَلاَتِي}[الأنعام ١٦٢]، هذه، {وَنُسُكِي} أي: كل ما أتقرب به، {وَمَحْيَايْ} أي: حدوث محياي بخروجي من الجمادية إلى الحيوانية، {وَمَمَاتِيَ} أي: خروجي بعد الحياة إلى الموت، {لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: حصلا باقتداره، {لاَ شَرِيكَ لَهُ}[الأنعام ١٦٣]، في عبادتي له، واقتداره على محياي ومماتي، {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} أي: باعتقاد عدم الشريك، والعلم باختصاصه بذلك، (وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ)؛ أي: المنقادين لأمره.
  ثم يحمد الله الذي هداه، وأقدره على ذلك، ونزهه عن مقالة المشركين؛ فيقول: {الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن
(١) السَّمْكُ: الارتفاع، قال تعالى: {رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها}[النازعات: ٢٨].
(٢) قال الراغب: السَّطْحُ: أعلى البيت. يقال: سَطَحْتُ البيتَ: جعلت له سطحا، وسَطَحْتُ المكان: جعلته في التّسوية كَسَطْحٍ، قال تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}[الغاشية ٢٠]، [مفردات الراغب].