التعاون
  يحصل المطلوب من دونها مهما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإنه ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وفي الرفق يمن وفي الخرق شؤم، ولو كان الرفق رجلاً لكان صالحاً، وقد قال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}[الإسراء: ٥٣] فهنا يأمر الله سبحانه نبيه ÷ أن يقول لعباده وأن يرشدهم باستعمال الكلمة اللينة، والعبارة اللطيفة في محاوراتهم ومخاطباتهم، وأن يستعملوا الخطاب الحسن، بل أن يستعملوا العبارة التي هي ألطف وألين وأحسن؛ لأن الآية وردت بصيغة التفضيل، ثم علل سبحانه ذلك فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ - بسبب الخشونة في الكلام - يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} فيكدر صفوهم، ويثير بينهم بسبب ذلك العداوة والبغضاء، وقال الله تعالى في العهد الذي أخذه على بني إسرائيل على عهد موسى #: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}[البقرة: ٨٣]، وقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت: ٣٤]، وتفسير هذه الآية يشابه تفسير الآية الأولى، فهي في استعمال اللين والرفق والتلطف في المحاورة والخطاب.
  فعلى المؤمن وخصوصاً طلبة العلم وحملته أن يتأدبوا بآداب الله تعالى، ويتخلقوا بأخلاقه، وقد وصف الله تعالى الرعيل الأول فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: ٢٩]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ... الآية}[المائدة: ٥٤].