الفائدة الحادية عشرة: في شدة التكليف على النفس
  ومن التكاليف الشاقة على النفس في أمة محمد ÷ تفضيل الله تعالى لأهل بيت نبيه ÷، والتكليف لهذه الأمة به، وإيجاب مودتهم ومتابعتهم، فهلك بسبب هذا التكليف الشاق من هلك، وسعد به من سعد.
  وحقاً فإنه لن يقبل هذا التكليف إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان؛ لأن المؤمن الحق هو الذي يؤثر طاعة الله على هوى نفسه، ويؤمن بصدق وعده ووعيده.
  ولقد طاشت لهذا التكليف عقول السابقين الأولين، وزلت له أقدامهم، وقاموا بسبب ذلك وقعدوا، ثم من بعدهم وإلى يوم الناس هذا امتنعوا من هذا الحكم الإلهي وتأبوا ودافعوا وعاندوا، ولم يكسبهم صنيعهم غير الهوان والخسران، والعاقل اللبيب؛ إذا عرف أن هذا الحكم من الله تعالى استسلم لحكم الله ورضي به، وعرف أنه لا طاقة له بحرب الله ومعاندة ربه ومخاصمة خالقه، فحظي بسعادة الدنيا والآخرة، أعزه الله في الدنيا ورفعه، وزاده حسن الذكر جزاء تواضعه وخضوعه واستسلامه لأحكام الله تعالى، هذا في الدنيا، أما جزاؤه في الآخرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين.
  هذا، وإذا نظرنا إلى ما هو السبب، وما هي الغاية التي أدت بالمتأبي ودفعته إلى رد مثل هذا الحكم الإلهي؟ فإنا نجد أن ذلك هو شعوره بأن في ذلك حطاً لكرامته، واستسلاماً للذلة والمهانة، فهو يتخيل أن قبوله لهذا الحكم اعتراف منه على نفسه بالمهانة والذلة