الفائدة الحادية والثلاثون: موقف المؤمن من العصاة:
  ولعل السر في كشف الستر عن بعضهم هو أنهم كانوا يمكرون بالنبي ÷ في الخفاء، ويكيدون للإسلام سراً، ويتعاونون مع أهل الكتاب في السر.
  أما بقية المنافقين الذين لم يكشف لهم القرآن ستراً، وأجرى عليهم النبي ÷ حكم المؤمنين في الظاهر، فهم الذين لبسوا ثوب الإسلام على إغماض، وعلى غير رضا به، غير أنهم لم يمكروا ولم يكيدوا كغيرهم، فهؤلاء قد أجرى الإسلام عليهم حكم المؤمنين.
  ونحن أجرينا من ذكرنا في الحالة الثانية مجراهم، وجعلنا حكمه كحكمهم لعدم الفارق، بل لعل الحكم في الفرع أولى فتنبه.
  ودليل ما ذكرنا في الحالة الرابعة، قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: ٨]، وكذلك سكوت أمير المؤمنين عن معاداة بعضٍ من أصحابه مع علمه بما هم عليه من العصيان، بما يظهر من فلتات ألسنتهم في مجادلتهم له ومحاورتهم معه، فإنه سكت عن المعاداة، وأجرى عليهم حكم المؤمنين حتى أعلنوا بالعداء، وجاهروا بالعصيان، وخرجوا عن الطاعة، ونزعوا أيديهم من يده، فعند ذلك عاداهم.
  فهذا القسم الذي ذكرناه في هذه الحالة الرابعة لا تلزم مقاطعته ما دام على ما وصفنا من التستر، وعدم الوقوف في طريق الإرشاد.