الفائدة الثانية عشرة: في معرفة الإنسان لقدر نفسه
  والضعة والهوان، فهو يطلب من وراء تأبيه لنفسه الكرامة والرفعة والعزة، وفي الحقيقة أن ذلك مطلب حسن يطلبه كل عاقل، غير أنه أخطأ فطلب العزة من غير وجهها، فلم يحصل إلا على الهوان والمذلة والخسران، ولو عرف هذا المتأبي قدر نفسه، وعرف قدر خالقه وما يستحقه من التعظيم والطاعة، وعرف صدق ثوابه وعقابه، لم يقع فيما وقع فيه، ولحصل على العزة المطلوبة والكرامة والرفعة، ولنال ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
الفائدة الثانية عشرة: في معرفة الإنسان لقدر نفسه
  وهذه الفائدة تكميل للفائدة التي قبلها، وهي في معرفة الإنسان لقدر نفسه، وفي معرفة ذلك فائدة كبيرة، ففي الأثر: «من عرف قدر نفسه لم يهلك».
  العاقل لا يتجاوز بنفسه المنزلة التي وضعه الله فيها، وجعله عليها، فالإنسان عبد من عبيد الله، خلقه الله وسواه، وغمره بنعمه التي لا تحصى، ثم أخبره على ألسنة رسله بالسبب الذي خُلِق من أجله.
  فمن عرف أنه عبد لله، ومملوك له جل وعلا، وأنه في قبضة قدرة الله، وأنه ضعيف لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله، وأنه في حاجة إلى رحمة الله وفضله ورزقه وعنايته ورعايته وحفظه وألطافه، وعرف أن بطش الله شديد، وأخذه أليم، وأنه لا طاقة له بذلك، وأنه لا يقيه من ذلك إلا الاستسلام والطاعة، إذا عرف الإنسان ذلك فإنه لا يورط نفسه فيما يوبقها، ولا يتجاوز الحدود التي حددها له سيده العلي الكبير.