المنهج الأقوم في الرفع والضم،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[حكم الإنكار في المسائل النظرية الاجتهادية الخلافية]

صفحة 19 - الجزء 1

  وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي: أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، وَالْمُجْتَهِدَ الْمُخَالِفَ لَهُ بَعْدَ إِبْلَاغِ الوُسْعِ مَعْذُورٌ، غَيْرُ آثِمٍ بَلْ مَأْجُور، أَوْ أَنَّهُ مُتَعَدِّدٌ، وَأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُجْتَهِدِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، كَمَا ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الأُصُولِ.

  أَمَّا الإِنْكَارُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِيْمَا اجْتَهَدَ فِيْهِ، بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ أَوْ عَلَى مُتَّبِعِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ القَطْعِيَّ الْمَعْلُومَ.

  وَغَايَةُ مَا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الْمُنْكِرُ أَنَّ عِنْدَهُ - مَثَلًا - خَبَرًا قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ الْمُخَالِفَ لَهُ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْخَبَرُ عِنْدَهُ غَيْرَ صَحِيْحٍ؛ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ مَجْرُوحًا، أَوْ فِيْهِ عِلَّةٌ قَادِحَةٌ، وَهْوَ مُكَلَّفٌ بِمَا صَحَّ لَهُ، أَوْ يَكُونَ فَهِمَ مِنْهُ خِلَافَ مَا فَهِمَهُ، أَوْ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مُخَصِّصٍ لِعُمُومِهِ، أَوْ مُقيِّدٍ لإِطْلَاقِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا - وَإِنْ كَانَ مُتَوَاتِرًا -، أَوْ أَنَّهُ عِنْدَهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِخَبَرٍ - مَثَلًا - هُوَ عِنْدَهُ أَصَحُّ، أَوْ مُرَجَّحٌ بِأَحَدِ أَوْجُهِ التَّرْجِيحِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهِ الْخِلَافِ الَّتِي لَا يُؤَاخَذُ فِيْهَا الْمُجْتَهِدُ إِلَّا بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ نَظَرُهُ، وَ {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦].

  وَالْخِلَافُ فِي الْمَسَائِلِ الاِجْتِهَادِيَّةِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنْ دُونِ نَكِيْرٍ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ الرَّاشِدِينَ إِلَى هَذِهِ الغَايَةِ، وَإِلَى يَومِ القِيَامَةِ.

  وَلَوْ صَدَرَ مِنَ البَعْضِ فَلَتَاتٌ عِنْدَ حِدَّةِ الْجِدَالِ تُوهِمُ التَّخْطِئَةَ، فَالْقَصْدُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ، أَوْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهَا مَنْ يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ الْحَقِّ، وَإِلَّا فَالْخَطَأُ فِي جَنَبَةِ الْمُخَطِّي قَطْعًا؛ لِمُخَالَفَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيْلُ عَقْلًا وَشَرْعًا.

  وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِنْ بَعْضِ مَنْ يَتَسَرَّعُ إِلَى التَّخْطِئَةِ وَالنَّكِيْرِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ الظَّنِّيَّة، وَيَنْسَى أَوْ يَتَناسَى أَنَّ الْكَثِيْرَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَدْ أَجَازُوا الاِجْتِهَادَ وَالاِخْتِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ القَطْعِيَّة، وَاغْتَفَرُوهُ مَعَ مُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ النَّبَوِيَّة، فَتَوَلَّوا الفَرِيقَينِ مِنْ أَصْحَابِ (صِفِّيْن) وَنَحْوِهِم، مَعَ مَا عُلِمَ بالنُّصُوصِ