الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة
  قال:
الْبَابُ الثَّامِنُ: الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ وَالْمُسَاوَاةُ
  تَأْدِيَةُ الْمَعْنَى بِلَفْظٍ قَدْرِهِ ... هِيَ الْمُسَاوَاةُ كَـ «سِرْ بِذِكْرِهِ»
  وَبِأَقَلَّ مِنْهُ إِيجَازٌ عُلِمْ ... وَهُوَ إِلَى قَصْرٍ(١) وَحَذْفٍ يَنْقَسِمْ
  كَـ «عَنْ مَجَالِسِ الْفُسُوقِ بُعْدَا ... وَلا تُصَاحِبْ فَاسِقاً فَتَرْدَى»
  أقول: المساواة: كون اللفظ بقدر المعنى المراد، أي: مثله، نحو: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ(٢)}[فاطر ٤٣] و (سر(٣) بذكره) تعالى، أي: إلى الحضرة العلية؛ لأنه أعظم وسيلة إليها.
  والإيجاز: كون اللفظ أقل من المعنى(٤) من غير إخلال، نحو: «عفو الله نرجو»؛ إذ المراد: قصر الرجاء على عفو الله تعالى دون غيره، وهذا المعنى يؤدى بعبارة أكثر من المثال. فإن حصل إخلال رد كما يأتي.
  وهو قسمان: إيجاز قصر(٥)، وإيجاز حذف(١).
(١) قوله: «وقَصر» بفتح القاف وسكون الصاد، هذا هو المشهور. وحقق بعضهم أنه بكسر القاف وفتح الصاد، ذكره الدسوقي. مخلوف.
(٢) إن قيل: التمثيل بالآية غير صحيح؛ لأن فيها حذف المستثنى منه، فيكون إيجازا. قلنا: اعتبار هذا الحذف لأمر لفظي لا يتوقف إفادة المعنى عليه في الاستعمال، وإنما جر إليه مراعاة القواعد النحوية الموضوعة لأصل تراكيب الكلام. وحاصل الفرق بين الأمر اللفظي وغيره: أن ما جرى عرف الاستعمال بالاستغناء عنه بلا قرينة خارجة عن ذلك الكلام المأتيِّ به يكون مراعاة للقواعد المتعلقة باللفظ، فلا يكون حذفه إيجازا. وما جرى العرف بذكره بحيث لا يستغنى عنه في نفس التركيب إلا لقرينة خارجية يكون حذفه إيجازا؛ للافتقار إليه في المعنى. مخلوف باختصار.
(٣) قوله: «وسر بذكره» فيه أنه من الإيجاز؛ لأن في المثال حذف المفعول الذي لا يعلم إلا بالقرينة؛ لاحتمال اللفظ في ذاته لمعنى: سر بذكره لقضاء حاجتك ونحو ذلك، وفي بعض النسخ: سُدْ بذكره، وهو المناسب. مخلوف.
(٤) وقد عرَّفَه الإمام يحيى بن حمزة # في الطراز بقوله: هو عبارة عن تأدية المقصود من الكلام بأقل عبارة متعارف عليها. ثم قال: ثم إنه يأتي على وجهين: أحدهما القصر: وهو الإتيان بلفظ قليل تحته معانٍ جَمَّة. وثانيهما: إيجاز بالحذف. باختصار من الطراز ج ٣.
(٥) إيجاز القصر: هو الدلالة على المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة، أي: تضمين العبارات القليلة القصيرة معاني كثيرة غزيرة من دون أن يكون في تراكيبها لفظ محذوف.
=