الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة
  فالأول: نحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة ١٧٩]؛ لأن(٢) الناس إذا علموا أن من قَتل قُتل كان ذلك أدعى إلى عدم قتل بعضهم بعضا، فيكون ذلك حياة لهم، وليس في ذلك حذف.
  والثاني: نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف ٨٢] أي: أهل القرية.
  والمحذوف إما جزء جملة، كالمثال، أو جملة، نحو: {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ}[الشعراء ٦٣] أي: فضرب فانفلق. ومنه: مثال المتن؛ إذ التقدير: أبعد بعدا.
  وبقية البيت تكملة. وفي البيت النهي عن مجالسة الفساق ومصاحبتهم؛ لأن من تخلق بحالة لا يخلو حاضره منها، والخلطة كما تورث الخير تورث الشر، وفي العزلة عن الفساق تخلص من شرورهم.
  قال:
  وَعَكْسُهُ يُعْرَفُ بِالإِطْنَابِ ... كَـ «الْزَمْ رَعَاكَ اللهُ قَرْعَ الْبَابِ»
  يَجِيءُ(٣) بِالإِيضَاحِ بَعْدَ اللَّبْسِ ... لِشَوْقٍ اوْ تَمَكُّنٍ فِي النَّفْسِ
  وَجَاءَ بِالإِيغَالِ وَالتَّذْيِيِلِ ... تَكْرِيرٍ اعْتِرَاضٍ اوْ تَكْمِيلِ
  يُدْعَى بِالاحْتِرَاسِ وَالتَّتْمِيمِ ... وَقَفْوِ ذِي التَّخْصِيصِ ذَا التَّعْمِيم
  أقول: الإطناب: تأدية المعنى بلفظ أزيد منه لفائدة. فهو عكس الإيجاز. نحو: «اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم بفضلك مع أحبابنا في جنة النعيم»، والفائدة في ذلك: إظهار شأن الجنة بوقوع الرؤية فيها. ومن ذلك: مثال المتن، وفائدة (رعاك الله): أن لزوم قرع الباب لا يفيد مع عدم رعاية الله وعنايته.
  وقولُنا: «لفائدة» مخرجٌ:
  للتطويل: وهو زيادة لفظ غير متعين لا لفائدة، كقوله [الوافر]:
(١) عرَّفَه البلاغيون بأنه: التعبير عن المعاني الكثيرة بعبارة قليلة وذلك بحذف شيء من التركيب مع عدم الإخلال بتلك المعاني.
(*) واعلم أنه لا بد في كل حذف من وجود أمرين: داعٍ يدعو إليه، وقرينة تدل على المحذوف وترشد إليه، والمحذوف إما أن يكون حرفًا أو كلمة أو جملة أو أكثر.
(٣) قوله: «لأن الناس ... إلخ» لعل معناه أن الناس ... الخ كما في عبارة السعد. أي: وهذا معنى طويل جمعه لفظ قليل، فقوله: «لأن ... إلخ» علة لكون التركيب من إيجاز اللفظ فافهم. مخلوف.
(٣) قوله: «يجيء» أي: يحصل ويتحقق. مخلوف.