الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة
  كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء ٨١]. وهو قسمان:
  الأول: ما جرى مجرى المثل: وهو أن تكون الثانية مستقلة بنيل المراد وغير متوقفة على ما قبلها، نحو: المثال المتقدم(١).
  الثاني: ما لم يُخْرَج مخرج المثل: وهو أن تتوقف الثانية على الأولى في إفادة المراد(٢). نحو: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ ١}[سبأ] أي: وهل يجازى ذلك الجزاء المخصوص.
  ومنها: التكرير، نحو: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٤}[التكاثر] كرَّرَ لِتأكيد الإنذار والردع، وأتى بـ «ثم» للدلالة على أن الثاني أبلغ(٣) من الأول.
  ومنها: الاعتراض: وهو أن يؤتى بجملة فأكثر بين شيئين متلازمين، نحو: «الله تعالى فعال لما يريد» و «اعلم رعاك الله أنه لا يضيع من قصده»، والنكتة في الأول: التنزيه، وفي الثاني: الدعاء.
  ومنها: التكميل - ويسمى الاحتراس - وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه، نحو: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ(٤)}[المائدة ٥٤].
  ومنها: التتميم، وهوأن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة(٥) لنكتة. كالمبالغة(٦) في نحو: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا}[الإنسان ٨]
(١) وهو قوله تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآية، فلا شك أن الثانية مشتملة على معنى الأولى، مؤكدة لها، وليس فيها ما يربطها بالأولى فهي مستقلة فقد جرت مجرى المثل في الاستقلال.
(٢) أي: إن الكلام لا يفهم المراد منه إلا بمعونة ما قبله. فقوله تعالى: {وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورَ} تذييل لقوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا} وقد جاء هذا التذييل توكيدًا لما قبله لاشتماله على معناه، ولكنه غير مستقل بمعناه، ولا يفهم الغرض منه إلا بمعونة ما قبله؛ إذ المعنى وهل نجازي ذلك الجزاء الذي ذكرناه إلا الكفور.
(٣) وذلك لأن أصل «ثم» الدلالة على تراخي الزمان، لكنه قد يأتي لمجرد التدرج في درج الارتقاء من غير اعتبار التراخي والبعد بين تلك الدرج. المطول.
(٤) لأنه لو اقتصر على قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} لتوهم أن ذلك لضعفهم، فأتى على سبيل التكميل بقوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} دفعًا لهذا الوهم، وإشعارًا بأن ذلك تواضع منهم للمؤمنين. الأطول.
(٥) أي: يأتي بمفعول أو حال أو تمييز أو جار ومجرور.
(٦) أي: في المدح المسوق له الكلام. مخلوف.