فصل: في الدلالة الوضعية
  أقول: طرفا التشبيه: إما حِسِّيان(١) كالخد والورد، أو عقليان كالعلم والحياة(٢)، أو مختلفان: بأن يكون المشبَّه حسيًّا والمشبَّه به عقليًّا كالسبع(٣) والموت، أو عكسه(٤) كالموت والسبع.
  والمراد بالحسي: المدرك هو أو مادته(٥) بإحدى الحواس الخمس الظاهرة. فدخل الخيالي، وهو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها مما يدرك بالحس، كقوله [مجزوء الكامل]:
  وكأنَّ مُحمَرَّ الشقيـ ... ـق إذا تَصوَّبَ أو تَصعَّدْ
  أعلامُ ياقوتٍ نُشِرْ ... نَ على رماحٍ مِن زَبَرْجَدْ(٦)
  فإن كلا من الأعلام والياقوت والزبرجد والرمح محسوس، لكن المركب(٧) الذي هذه الأمور مادته ليس بمحسوس؛ لأنه غير موجود، والحس لا يدرك إلا ما هو موجود.
(١) قال الإمام يحيى بن حمزة # في الطراز: الاشتراك في الأوصاف الحسية هي بالإضافة إلى الحواس التي هي طريق الإدراك - خمسة: الأول: الاشتراك في الصفة المبصرة، نحو قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ٥٨}[الرحمن]، فالجامع الحمرة، ونحو: تشبيه الخدِّ بالورد. الثاني: الاشتراك في الكيفية المسموعة، نحو: تشبيه الأسلحة في وقعها بالصواعق. والثالث: الاشتراك في الكيفية المذوقة، نحو: تشبيه الفواكه الحلوة بالعسل. والرابع: الاشتراك في الكيفية المشمومة، نحو: تشبيه شَمِّ الريحان بالمسك. والخامس: الاشتراك في الكيفية الملموسة، نحو: تشبيه الجسم - أي: الجلد - الناعم بالحرير. باختصار من الطراز ١/ ١٣٩.
(٢) ووجه الشبه بينهما كونهما جهتي إدراك، كذا في المفتاح والإيضاح، فالمراد بالعلم هاهنا: الملكة التي يقتدر بها على الإدراكات الجزئية لا نفس الإدراك، ولا يخفى أنها [أي: الملكة] جهة وطريق إلى الإدراك كالحياة. سعد.
(٣) فالسبع حسي والموت عقلي، والجامع في هذا المثال الإهلاك.
(٤) أي: بأن يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا، كتشبيه الموت بالسبع، والجامع سرعة اغتيال كل.
(٥) قوله: «أو مادته» أي: جميع أجزائه التي تركب منها وتحققت بها حقيقته التركيبية. دسوقي. وقوله: «فدخل» أي: في الحسي بسبب زيادة قوله: «أو مادته». سعد.
(٦) قائله الصنوبري، انظر أسرار البلاغة ص ١٥٩ والإيضاح ص ٢٠٧. والشقيق: نوع من الورد أحمر اللون. وتَصَوَّب: اتجه إلى الأسفل. وتصعد: اتجه إلى الأعلى. والزَّبَرْجَد: حجر كريم أخضر اللون. وأعلام: جمع علم وهو الراية.
(٧) أي: الأعلام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية. فهذا كلام مركب من الأعلام والياقوت ... الخ.