حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

فصل: في الدلالة الوضعية

صفحة 159 - الجزء 1

  الطرفين في كل واحد منها ليكون كل منها وجه تشبيه، بخلاف المركب فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين في كل من تلك الأمور، بل في الهيئة المنتزعة⁣(⁣١) أو في الحقيقة الملتئمة منها.

  وكل واحد من هذه الثلاثة: إما حسي، أو عقلي؛ فهذه ستة.

  ويختص المتعدد: بالاختلاف بأن يكون بعضه حسيًّا وبعضه عقليًّا فالأقسام سبعة.

  مثال الواحد الحسي: تشبيه ثوب بآخر في لونه.

  والعقلي: تشبيه العلم بالنور في الاهتداء.

  ومثال المركب الحسي قوله [الطويل]:

  وَقَدْ لَاحَ بالفَجْرِ⁣(⁣٢) الثُّرَيَّا كما ترى ... كعُنْقُودِ مُلاحِيَّةٍ⁣(⁣٣) حِينَ نَوَّرَا⁣(⁣٤)

  فالوجه هنا: الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرات الصغار المقادير في رأي العين، فنظر⁣(⁣٥) إلى عدة أشياء وقصد إلى الهيئة الحاصلة منها.

  والعقلي كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}⁣[الجمعة ٥]، الوجه: حرمان الانتفاع بأبلغ نافعٍ مع تحمل التعب في اصطحابه وهو أمر عقلي مأخوذ من أمور متعددة؛ لأنه روعي من جهة الحمار فعل مخصوص وهو الحمل، ومحمول مخصوص وهو الأسفار المشتملة على العلوم وكون الحمار جاهلا بما فيها⁣(⁣٦)، وكذلك روعي من جهة المشبه أيضًا فعل مخصوص


(١) قوله: «بل في الهيئة المنتزعة» أي: إذا كان مركبا تركيبا اعتبارياً، كما في قوله:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

وقوله: «أو في الحقيقة الملتئمة» أي: فيما إذا كان مركبا تركيبا حقيقيا، نحو: «زيد كعمرو في الإنسانية»، فالذي قصد اشتراك الطرفين فيه الإنسانية، وهي حقيقة مركبة من الحيوانية والناطقية. دسوقي.

(٢) لم أجده بهذا اللفظ وإنما المروي فيه فيما اطلعت عليه من المراجع «وقد لاح في الصبح ...».

(٣) قوله: «ملاحية» - بضم الميم وتشديد اللام - عنب أبيض في حبه طول، وتخفيف اللام أكثر، قاله السعد. وقوله: «نورا» أي: انفتح نوره. مخلوف.

(٤) هذا البيت منسوب إلى أحيحة بن الجلاح الأوسي، شاعر جاهلي من دهاة العرب، ومنهم من نسبه إلى قيس بن الأسلت من شعراء الجاهلية.

(٥) قوله: «فنظر» أي: الشاعر في وجه الشبه. وكذا الضمير في «قصد»، ويحتمل بناء الفعلين للمفعول. مخلوف.

(٦) قوله: «جاهلا بما فيها» أراد لازم الجهل وهو عدم الانتفاع؛ لأن الجهل عدم العلم عما من شأنه أن =