حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

السرقة الخفية

صفحة 221 - الجزء 1

  وتغيير المعنى من وجوه:

  منها: نقله، وهو أن ينقل المعنى إلى محل آخر، كقول البحتري [الكامل]:

  سُلِبُوا وَأشْرَقَتِ الدِّمَاُء عليهمُ ... مُحْمَرَّةً فَكَأنَّهمْ لَمْ يُسْلَبُوا⁣(⁣١)

  وقول أبي الطيب [الكامل]:

  يَبِسَ النَّجِيعُ عليهِ وَهُوَ مُجَرَدٌ ... مِنْ غِمْدِهِ فَكأنَّمَا هُوَ مُغْمَدُ⁣(⁣٢)

  ومنها: أن يضاف إلى المعنى⁣(⁣٣) ما يحسنه، وهو المراد بالخلط، كقول الأَفْوَهِ⁣(⁣٤) [الرمل]:

  وتَرَى الطَّيرَ عَلى آثَارِنا ... رَأيَ عَينٍ ثِقَةً أنْ سَتُمَارُ

  وقول أبي تمام [الطويل]:

  وقَدْ ظُلِّلَتْ عِقْبَانُ أعْلامِهِ⁣(⁣٥) ضُحَىً ... بِعِقْبَانِ طَيرٍ في الدِّمَاءِ نَوَاهِلِ

  أقَامَتْ مَعَ الرَّايَاتِ حَتَّى كأنَّهَا ... مِنَ الْجَيْشِ إلَّا أنَّها لَمْ تُقَاتِلِ⁣(⁣٦)

  ومنها: أن يكون معنى الثاني أشمل، كقول جرير [الوافر]:


(١) انظر ديوانه ١/ ٧٦. ومعنى البيت: أنهم سُلبوا ثيابهم وقتلوا فكانت الدماء عليهم بمنزلة الثياب.

(٢) انظر ديوانه ١/ ٣٣٧ والإيضاح. يريد الشاعر أن النجيع - أي: الدم - قد يبس على السيف حتى صار بمنزلة الغمد.

والشاهد: نقلُ المعنى من القتلى والجرحى إلى السيف.

(٣) «أل» في «المعنى» للجنس الصادق بالبعض؛ لأن المراد: بعض المعنى، فالخلط أن يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه. مخلوف.

(٤) الأفوه: هو أبو ربيعة صلاءة بن عمرو بن مالك، شاعر جاهلي. انظر البيت في ديوانه ص ١٣٠ وفي الإيضاح. ومعنى ستمار: ستُطْعَم، وثقة: منصوب على أنه حال أو مفعول له من العامل الذي يتضمنه قوله: «على آثارنا» أي: كائنة على آثارنا لوثوقها. مخلوف.

(٥) قوله: «ظُللت» بالبناء للمفعول، أي: ألقي عليها الظل، و «عقبان أعلامه» نائب فاعل، وإضافته للأعلام من إضافة المشبه به إلى المشبه، أي: أعلامه الشبيهة بالعقبان في تلونها وفخامتها، و «نواهل» صفة لـ «عقبان طير»، و «في الدماء» متعلق بـ «نواهل»، و «في» بمعنى «على».

(٦) الشاهد: أن أبا تمام لم يلم بشيء من معنى قول الأفوه: «رأي عين» الدال على قرب الطير من الجيش بحيث ترى عيانًا لا تخيُّلًا، ولا بشيء من معنى قوله: «ثقة أن ستمار» الدال على وثوق الطير بالميرة - الطعام - لاعتيادها ذلك، إلا أن أبا تمام زاد على الأفوه بقوله: «إلا أنها لم تقاتل»، وبقوله: «في الدماء نواهل» وإقامتها مع الرايات، وهذه الزيادات حسنت المعنى المأخوذ من الأفوه؛ أعني تساير الطير على آثارهم.