حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الاقتباس

صفحة 223 - الجزء 1

  ثم إن تفاضل السرقة في الحسن والقبول بحسب مراتب الخفاء، فكلما كانت أشد خفاء⁣(⁣١) كانت أقرب للقبول⁣(⁣٢). ولابد من العلم بأن الثاني أخذ من الأول، إما بإخباره عن نفسه، أو بغير⁣(⁣٣) ذلك؛ لجواز⁣(⁣٤) أن يكون الاتفاق⁣(⁣٥) من قبيل توارد الخاطر أي: مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الأخذ فإذا لم يعلم أن الثاني أخذ من الأول قيل: قال فلان: كذا، وسبقه إليه فلان فقال: كذا؛ ليغتنم⁣(⁣٦) بذلك فضيلة الصدق.

  قال:

الاقْتِبَاسُ

  وَالاقْتِبَاسُ أَنْ يُضَمَّنَ⁣(⁣٧) الْكَلامْ ... قُرْآناً اوْ حَدِيثَ سَيِّدِ الأَنَامْ

  وَالاقْتِبَاسُ عِنْدَهُمْ ضَرْبَانِ ... مُحَوَّلٌ وَثَابِتُ الْمَعَانِي

  وَجَائِزٌ لِوَزْنٍ أَوْ سِوَاهُ ... تَغْيِيرُ نزْرِ اللَّفْظِ لا مَعْنَاهُ

  أقول: الاقتباس في الاصطلاح: تضمين الكلام نثرًا أو نظمًا شيئًا من القرآن أو الحديث لا على أنه منه⁣(⁣٨). كقول الحريري: «فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب⁣(⁣٩)»، وقول الآخر [السريع]:

  إنْ كنتِ أزْمَعْتِ على هَجْرِنا ... مِنْ غيرِ مَا جُرْمٍ «فَصَبْرٌ جَمِيلْ»


(١) بحيث لا يعرف أن الثاني مأخوذ من الأول إلا بعد التأمل الطويل. مطول.

(٢) لكونه أبعد من السرقة وأدخل في الإبداع والتصرف. مطول.

(٣) بأن يعلم أنه كان يحفظ قول الأول حين نظم شعره. مخلوف.

(٤) علة لمحذوف، أي: وإلا فلا يحكم بشيء من ذلك لجواز ... الخ. مخلوف.

(٥) في اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط. مخلوف.

(٦) قوله: «ليغتنم ... إلخ» علة لمحذوف، أي: ولا يقال: إن الثاني أخذه من الأول؛ ليغتنم ... الخ. دسوقي.

(٧) قوله: «أن يضمن» أي: يؤتى بشيء من لفظ القرآن أو لفظ الحديث في ضمن الكلام. دسوقي.

(٨) يعني على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث.

(٩) اقتباس من سورة النحل آية ٧٧.

وهو مثال للاقتباس من القرآن في النثر، وما بعده مثال لذلك في النظم.