حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[تقديم الشارح]

صفحة 28 - الجزء 1

  أما الأول⁣(⁣١): فكقولنا: «هذا الكلام معجز، وكل معجز ليس من تأليف المخلوق»، ينتج: «هذا الكلام ليس من تأليف المخلوق»، فيكون من تأليف الخالق؛ إذ لا واسطة.

  وأما الثاني⁣(⁣٢) - وإن ترتب على الأول⁣(⁣٣) -: فكقوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ..} الآية [الإسراء ٨٨].

  قال:

  وَشَاهَدُوا مَطَالِعَ الأنوارِ ... وما احتوتْ عليهِ مِنْ أسْرَار

  أقول: (شاهدوا) معطوف على (أبصروا)، فهو من ثمرات رسم البيان⁣(⁣٤) أيضًا. والمراد: المشاهدة بعين البصيرة.

  والمطالع: جمع مطلع، وهو محل الطلوع. والأنوار: جمع نور، وهو ما به ظهور الأشياء. والمراد به هنا: العلم؛ لأن به تظهر المعلومات. والأسرار: جمع سرٍّ، وهو المعنى الخفي.

  ومعنى البيت: أنهم بواسطة إمعان النظر، الناشئ عما رسم في قلوبهم، شاهدوا معاني كلمات القرآن، التي هي كمطالع الأنوار الحسية، بجامع ما ينشأ عن كلٍّ من النور، وإن كان محسوسًا في الثاني، ومعقولًا في الأول، وشاهدوا ما اشتملت عليه تلك الأنوار - أي: العلوم - من أسرار، أي: نكات خفية؛ إذ خبايا القرآن وخفاياه تقف دون آخرها العقول؛ بدليل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ}⁣[آل عمران ٧]، وإدراك بعضها إنما يكون بالتنوير. جعلنا الله من أهله.


(١) أي: البرهان العقلي، وهو الناتج عن مقدمتين عقليتين يقينيتين أو أكثر.

(٢) وهو البرهان النقلي: وهو الناتج عن مقدمتين نقليتين، أو إحداهما نقلية.

(٣) وجه التَّرَتُّبِ: أن هذا الدليل في ذاته دعوى تحتاج إلى إثبات بالعقل، فثبوتها مترتب على الدليل العقلي. مخلوف.

(٤) معنى ذلك: أنه أثبت شمس البيان في صدور العلماء فأبصروا ... وشاهدوا ...