حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[تقديم الشارح]

صفحة 29 - الجزء 1

  قال:

  فنزَّهوا القلوبَ في رياضِه ... وأورَدُوا⁣(⁣١) الفِكْرَ على حِيَاضه

  أقول: الرياض: جمع روضة⁣(⁣٢)، والمضاف إليه: ضمير القرآن، على تقدير مضاف، هو: معاني. ولما كانت النفوس الناطقة تنتعش باقتناص المعاني كما تنتعش بالأقوات الأشباحُ والمباني. شبَّهَ معاني القرآن بالرياض، بجامع تنزه النفس الناطقة بملابستها؛ كتنزه القالَب الجسماني بالرياض المحسوسة، فإضافة⁣(⁣٣) (رياضه) من قبيل: «لجين الماء⁣(⁣٤)»، مع مراعاة المضاف المتقدّم⁣(⁣٥)، كإضافة (حياض) بعده لما بعده، وإن كان المقصود نوعًا من المتوسط بين المتضايفين⁣(⁣٦).

  والفكر: حركة النفس في المعقولات. وحركتها في المحسوسات تخييل⁣(⁣٧). والحياض: جمع حوض⁣(⁣٨)، وقعت واوه بعد كسرة فقلبت ياءً، أي: على معانيه التي هي كالحياض المحسوسة، بجامع شفاء الصدر في كل منهما. ولا يخفى عليك تفريع هذا البيت على ما قبله.


(١) الإيراد هنا بمعنى الإحضار.

(٢) الروضة: ما اشتمل من الأرض على غرس نافع. مخلوف. وفي لسان العرب: الروضة: الأَرض ذَاتُ الخُضْرةِ. والرَّوْضةُ: البُسْتانُ الحَسَنُ، عَنْ ثَعْلَبٍ. والرَّوْضةُ: الموضِع يَجْتَمِعُ إِليه الْمَاءُ يَكْثُر نَبْتُه، وَلَا يُقَالُ فِي مَوْضِعِ الشَّجَرِ رَوْضَةٌ، وَقِيلَ: الرَّوْضَةُ عُشْب وَمَاءٌ وَلَا تَكُونُ رَوْضةً إِلا بِمَاءٍ مَعَهَا أَو إِلى جَنْبِهَا. مادة «روض».

(٣) قوله: «فإضافة ..» الخ تفريع على قوله: «والمضاف إليه ضمير القرآن» إلى هنا. مخلوف.

(٤) يعني معاني القرآن التي هي كالرياض. واللُجَيْن: الفضة.

(٥) قوله: مع مراعاة ... إلخ إذ هو الشمبه. مخلوف

(٦) قوله: «وإن كان المقصود ... إلخ» أي: أن المقصود بالمتوسط نوع منه؛ إذ معاني القرآن لا طاقة للبشر على استقصائها حتى يتنزه في جميعها ويورد عليه. مخلوف

(٧) أي: حركتها في المعقولات يسمى فكرًا، وحركتها في المحسوسات يسمى تخييلًا.

(٨) وهو ما يُملأ بالماء من مكان واسع يعد للشرب. مخلوف.