حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[تقديم الشارح]

صفحة 30 - الجزء 1

  قال:

  ثم صلاةُ اللهِ ما ترنمَّا ... حادٍ يسوقُ العيسَ في أرضِ الحِمَى

  على نبيٍّنا الحبيبِ الهَادِي ... أجلِّ كلِّ ناطقٍ بالضَّادِ

  محمدٍ سيِّدِ خلقِ اللهِ ... العربيٍّ الطاهرِ الأوًّاه

  أقول: الصلاة لغةً: العطف، فإن أضيف إلى الله تعالى سمي رحمةً، أو إلى الملائكة سمي استغفارًا، أو إلى غيرهما سمي دعاءً، فهي مقولة على هذه المعاني بالاشتراك المعنوي.

  والترنم: التغني. والعِيْس: الإبل، وحاديها: سائقها المُغَنِّي لها؛ ليحصل لها نشاط في السير. والْحِمَى: الممنوع من قربه، والمراد به: أرض الحجاز؛ لمنع⁣(⁣١) الكفار من الإقامة بها. والمقصود: طلب تأبيد الصلاة بجملتها⁣(⁣٢)، لا التأقيت⁣(⁣٣).

  والنبي: إنسان أوحي إليه بشرع، فإن أُمِر بتبليغه سمي: رسولًا أيضًا. وهو بالهمز: من النبأ، أي: الخبر، فيصح أن يكون بمعنى: «فاعل» باعتبار أنه مُخبِر - بكسر الباء - عن الله ø، أو بمعنى: «مفعول» باعتبار أن جبريل أخبره عن الله تعالى. وبالياء: من النبوة، وهي الرفعة، فيصح أن يكون بمعنى: «مفعول»؛ لأنه مرفوع الرتبة عن غيره، أو: «فاعل»؛ لرفعه غيره؛ إذ ما من مرفوعٍ إلا وبابُ رفعتِهِ النبيء⁣(⁣٤) ÷.

  والحبيب: يصح أن يكون بمعنى: «فاعل» أو بمعنى: «مفعول». والهادي: المرشد غيره. وأجل: بمعنى أعظم.


(١) قوله: «لمنع» علة لصحة إرادتها بالحمى. مخلوف.

(٢) قوله: «بجملتها» متعلق بـ «طلب». مخلوف.

(٣) كما قد يفهم البعض أن الترنم مدة ترنم الحادي، فتكون الصلاة مؤقتة بهذه المدة؛ بل أراد التأبيد؛ لأن الحادي: الذي يسوق الحجيج إلى أرض الحجاز، والحادي لا ينقطع؛ لأن الحج باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إذًا فالصلاة مؤبدة. هكذا قال شراح نظم الجوهر، والله أعلم.

(٤) استبدلنا الصلاة البتراء في هذا الكتاب بالصلاة على النبيء وآله ÷، وهذا تنبيه لما سبق وما سيأتي؛ ليكون معلومًا للقارئ.