حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[بلاغة الكلام والمتكلم]

صفحة 51 - الجزء 1

  وخصَّ البشر لأنهم أقوى أصناف المخلوقين على ذلك، فإذا عجزوا فغيرهم أولى، أو لأنه لم يوجد معاند إلا منهم.

  وأسفل: وهو ما إذا غُيِّرَ الكلام عنه إلى ما دونه - أي: إلى مرتبةٍ هي أدنى منه - التحق - وإن كان صحيح الإعراب⁣(⁣١) - عند البلغاء بأصوات الحيوانات⁣(⁣٢).

  وبين الطرفين مراتب كثيرة، بعضها⁣(⁣٣) أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات⁣(⁣٤)، ورعاية الاعتبارات. ويتبعها⁣(⁣٥) وجوه أُخَرُ غير المطابقة والفصاحة، تورث الكلام حُسنًا، وهي أنواع البديع.

  قال:

  وحافظٌ تأديةَ المعاني⁣(⁣٦) ... عن خطإٍ يُعرفُ بالمعاني

  وما مِن التعقيدِ في المعنى يَقِي ... لهُ البيان عندهم قد انتُقِي⁣(⁣٧)

  وما بِهِ وجوهُ تحسينِ الكلامْ ... تُعرفُ يُدعَى بالبديعِ والسلامْ

  أقول: قد علم مما تقدم⁣(⁣٨) أن البلاغة مرجعها - أي: ما يجب


(١) لو قال: «وإن كان فصيحا» لكان أحسن؛ ليعلم منه ما ذكره بالطريق الأولى؛ لأنه إذا التحق بأصوات الحيوانات مع الفصاحة فأحرى أن يلتحق بها عند عدم الفصاحة مع صحة الإعراب، بخلاف ما ذكره، فإنه ربما يوهم أنه إذا كان فصيحا لا يلتحق بأصوات الحيوانات؛ لأن الفصاحة أرقى. دسوقي.

(٢) لأن أصوات الحيوانات تصدر منها من غير اعتبار اللطائف والخواص.

(٣) بيان للتفاوت. دسوقي.

(٤) مثلا مقام الإنكار التام إذا أكد فيه بتأكيد واحد فهذا الاعتبار مرتبة، وإذا أكد فيه بتأكيدين فهذا الاعتبار مرتبة هي فوق الأولى، وإذا بولغ في التأكيد فهذا الاعتبار مرتبة أعلى مما قبلها، فتتفاوت الرتب والاعتبارات في المقام الواحد. وتفاوت الرتب في المقامات من جهة أن ما يراعى مثلاً في مقام هو أعلى وأصعب مما يراعى في مقام آخر، كمقام الحقيقة مع مقام المجاز، فرعاية اعتبارات المجاز أعلى. يعقوبي.

(٥) أي: بلاغة الكلام.

(٦) أي: الزائدة على أصل المراد. وقوله: «بالمعاني» أي: بعلم المعاني، و «حافظ» مبتدأ، وقوله: «يعرف» خبره.

(٧) «ما» مبتدأ. وقوله: «له البيان ... إلخ» البيان: مبتدأ، وجملة «قد انتقي» خبره، و «له» متعلق بـ «انتقي»، والمبتدأ وخبره خبر «ما».

(٨) أي: من تعريف البلاغة. مخلوف.