الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري
  الخبرين. أي: قصد المخبر بخبره أحد أمرين: إما الحكم، أي: النسبة بين الطرفين المحكوم بها، كقولك: «زيد قائم» لمن لم يعلم قيامه، أو كونه عالماً به، كقولك ذلك للعالم به، قاصدًا إعلامه بأنك عالم بذلك.
  ويسمى الأول: فائدة الخبر؛ لأن من شأنه أن يستفاد من الخبر، وإنِ استُفيد من غيره، والثاني: لازمها؛ لأنه كلُّما أفاد الحكم أَفَادَ أنه عالم به، وليس كلما أفاد أنه عالم بالحكم أفاد نفس الحكم؛ لجواز أن يكون الحكم معلومًا قبل الإخبار كما تقدم.
  قال:
  وربما أُجْرِيَ مُجْرَى الجاهِلِ ... مُخاطَبٌ إِنْ كانَ غيرَ عاملِ
  كقولنا لعالمٍ ذي غفلةِ: ... الذكرُ مفتاحٌ لبابِ الحضرة
  أقول: قد يُنزَّل المخاطَبُ العالِمُ بفائدة الخبر ولازمها أو بأحدهما منزلةَ الجاهل، كقولك لتارك الصلاة - وهو يعتقد وجوبها -: «الصلاة واجبة»؛ لعدم(١) جريه على موجَب العلم؛ لأن مَن لم يعمل بعلمه هو والجاهل سواء، وكقولنا للعالم الغافل عن ذكر الله تعالى - مع علمه بأنه وسيلة إلى حضرة المذكور(٢) -: «الذكر مفتاح لباب الحضرة»، أي: الإلهية، والمراد بالحضرة - ويعبر عنها بحضرة القدس، وهي الحالة التي إذا وصل إليها السالك سمي عارفًا وواصلا -: أن يكون في حالة لا يرى فيها إلا المولى سبحانه وتعالى، فانيًا عن الأكوان، متوجهًا بقلبه إلى الرحمن، متلقفًا ما يلقيه المولى سبحانه وتعالى في قلبه من لطائف العرفان. ولا شك أن الوسيلة إلى هذه الحالة ذكر المولى سبحانه وتعالى، قال المصنف في شرحه: والغرض من المثال المذكور في البيت ترغيبُ طالب العلم في الدخول في حضرة المنقطعين إلى الله تعالى، الذين تلذذوا بعبادة ربهم، وهم في الدنيا متنعمون بما يرد على قلوبهم من المعارف، وما يتجلى لهم من
(١) علة لـ «ينزل». مخلوف.
(٢) أي: الذي يذكره الذاكر، وهو الله تعالى. مخلوف.