حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري

صفحة 61 - الجزء 1

  صفات الجلال والجمال، وفي الآخرة أسعد وأفضل، وتحذيرُه من الغفلة التي قطعت ظهور كثير من طلبة العلم، وطمست بصائرهم حتى توهموا أن العلم مقصود بالذات، وما هو مطلوب إلا للعمل؛ إذ لا يصح إلا به، فليحذر طالب العلم من الغفلة، وليأخذ نصيبه من الأوراد من بدايته إلى نهايته، بقدر ما لا يشغله عن العلم، فإن الله سبحانه وتعالى {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}⁣[الفرقان ٦٢]، فمن زعم أن الأوراد وإن قلَّت تشغله فذلك من تسويل الشيطان، ومن علامات الطرد والخذلان اهـ.

  قال:

  فينبغي اقتصارُ ذي الإِخبارِ ... على المفيد خَشْيةَ الإكثارِ

  فيُخْبَرُ الخالي بلا توكيدِ ... ما لَمْ يَكُنْ في الحُكْمِ ذا تَرْديدِ

  فَحَسَنٌ، ومُنْكِرُ الأَخبارِ ... حَتمٌ له بِحَسَبِ الإنكارِ

  كقوله: {إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} ... فزاد⁣(⁣١) بعدُ ما اقتضاهُ المنكِرونْ

  لِلفظِ الابتداءِ ثمَّ الطلبِ ... ثُمَّتَ الانكارِ الثلاثةَ انسُب

  أقول: الفاء: تفريعية، أي: إن كان قصد المخبِر بخبره إفادة المخاطب فينبغي له أن يقتصر في التركيب على قدر الحاجة⁣(⁣٢)؛ فإن كان المخاطب خاليَ الذهن من الحكم والتردد فيه⁣(⁣٣) - أي: غير عالم بوقوع النسبة أو لا وقوعها، ولا مترددًا في


(١) قوله: «فزاد» بالإفراد، وضميره للقائل وهم الرسل، وقوله: «بعدُ» بالبناء على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه، أي: بعد اقتضاء إنكار المنكرين لتلك الزيادة. وقوله: «ما اقتضاه» مفعول «زاد»، والمنكرون: فاعل اقتضى على حذف مضاف هو إنكار. والمعنى فزاد القائل بعد اقتضاء إنكار المنكرين لتلك الزيادة ما اقتضى المنكرون زيادته.

(٢) أي: على مقدار حاجة المخبر في إفادة الحكم أو لازمه، أو حاجة المخاطب في استفادتهما. صبان عن الأطول. مخلوف.

(٣) المراد بالخلو من الحكم: عدم العلم بوقوع النسبة أو بعدم وقوعها، أي: غير مصدق بوقوع النسبة ولا بعدم وقوعها. وقوله: «والتردد فيه» الضمير في «فيه» عائد على الحكم بمعنى الوقوع أو عدم الوقوع، أي: غير متصور للوقوع أو عدمه، ففي الكلام استخدام، فلا يرد الاعتراض بأن المخاطب إذا كان خالي الذهن من الحكم فهو خالٍ من التردد فيه؛ لأنه إنما يلزم ذلك لو كان المراد بالحكم في قوله: «و التردد فيه» ما أريد بالحكم في قوله: «خالي الذهن من الحكم».