حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري

صفحة 62 - الجزء 1

  أنها واقعة أو غير واقعة - يلقى له الخبر غيرَ مؤكدٍ، فيقول له: «زيد قائم» - مثلا -، ولا يزيد على ذلك؛ لئلا يكون مكثرًا عليه بلا فائدة. وإن كان مترددًا في الخبر طالبًا له حَسُنَ الإتيان بمؤكد واحد، نحو: «لَزيد قائم». وإن كان منكرًا وجب توكيده بحسب الإنكار، أي: بقدره قوةً وضعفًا، فكلما زاد الإنكار زاد في التوكيد، كقوله تعالى - حكاية عن رسل عيسى إذ كُذبوا في المرة الأولى: {إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ}⁣[يس ١٤]، فأكد بِـ «إنَّ» و «اسمية الجملة»، وفي المرة الثانية: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}⁣[يس ١٦]، فأكد بالقسم المشار إليه بِـ {رَبُّنَا يَعْلَمُ}، و «إنَّ»، و «اللام»، و «اسمية الجملة»؛ لمبالغة المخاطبين في الإنكار، حيث قالوا: {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ}⁣[يس ١٥].

  ويسمى الضرب الأول⁣(⁣١): ابتدائيًّا. والثاني⁣(⁣٢): طلبيًّا. والثالث⁣(⁣٣): إنكاريًّا. وهذا معنى قوله: (للفظ الابتداء ثم الطلب) البيت.

  ويسمى إخراج الكلام على هذه الوجوه - أي: الخلو عن التوكيد في الأول، والتقوية بمؤكد استحسانًا في الثاني، ووجوب التوكيد بحسب الإنكار في الثالث - إخراجًا على مقتضى الظاهر، وهو أخص مطلقًا من مقتضى الحال⁣(⁣٤).


(١) الضرب الأول هو الخلو عن التأكيد، ويسمى ابتدائياً لكونه غير مسبوق بطلب ولا إنكار.

(٢) الضرب الثاني هو التأكيد استحساناً عند التردد والطلب للحكم، ويسمى طلبياً لأنه مسبوق بالطلب، أو لكون المخاطب طالباً له.

(٣) الضرب الثالث هو التأكيد وجوباً، ويسمى إنكارياً لأنه مسبوق بالإنكار، أو لكون المخاطب بالكلام المشتمل عليه منكراً.

(٤) اعلم أن الحال: هو الأمر الداعي إلى إيراد الكلام مكيفًا بكيفيةٍ ما، سواء كان ذلك الأمر ثابتا في الواقع، أم كان ثبوته بالنظر لما عند المتكلم، كتنزيل المخاطب غير السائل منزلة السائل. وظاهر الحال: هو الأمر الداعي إلى إيراد الكلام مكيفًا بكيفية مخصوصة بشرط أن يكون ذلك الأمر الداعي ثابتا في الواقع؛ فلذا كان ظاهر الحال أخص من الحال مطلقا، فالتطبيق على الثاني إخراج للكلام على مقتضى ظاهر الحال وعلى مقتضى الحال، وعلى الأول إخراج له على خلاف ظاهر الحال وعلى مقتضى الحال، ثم إن تلك الكيفية هي المقتضى للحال أو لظاهره. فكل كيفية اقتضاها ظاهر الحال اقتضاها الحال، وليس كل كيفية اقتضاها الحال اقتضاها ظاهره، فعموم المقتضي - بالكسر - يقتضي عموم المقتضى. دسوقي.