حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري

صفحة 70 - الجزء 1

  فخرج قولُ الكافر: «أنبت الربيع البقل»؛ لأنه معتقده، وكذا الأقوالُ الكاذبة⁣(⁣١). وهذا معنى قوله: (والثان أن يسند): أي: الفعل الخ.

  وللفعل ملابَسات شتى. واقتصر الأصل عليه - وإن كان ما في معناه كاسم الفاعل كذلك - لأنه الأصل. يلابس⁣(⁣٢) الفاعل لوقوعه منه، والمفعول به لوقوعه عليه، والمصدر لأنه جزء معناه⁣(⁣٣)، والزمان والمكان لوقوعه فيهما، والسبب⁣(⁣٤) لأنه يحصل به. فإسناده إلى الفاعل أو المفعول إذا كان مبنيًّا له⁣(⁣٥) حقيقةٌ كما مر، وإلى غيرهما - أي: غير الفاعل في المبني للفاعل، وغير المفعول به في المبني للمفعول لجامع بينهما⁣(⁣٦)، وهو ملابسة كل منهما للفعل - مجازٌ، كقولهم: «عيشة راضية» فيما بني للفاعل وأسند للمفعول به؛ إذ العيشة مرضية. وحقيقة الكلام: رَضِيَ المرءُ عيشتَهُ، ثم أسند الفعل إلى المفعول من غير أن يبنى له، فبقي رَضِيَتِ العِيشةُ، وهو معنى كونه مجازًا، ثم سبك من الفعل المبني للفاعل اسم فاعل، وأسند إلى ضمير العيشة، فآل الأمر إلى أن صار المفعول فاعلًا.

  ومنه: مثال الكتاب، وهو: «ثوب لابس»، والأصل: «لَبِس زيدٌ ثوبًا»، ثم أسند الفعل إلى المفعول في التقدير من غير أن يبنى له، فصار: «لَبِسَ ثوبٌ»، ثم سبك من الفعل اسم فاعل، وقيل: «ثوب لابس».

  و: «سيل مُفعَم» فيما بني للمفعول وأسند إلى الفاعل، وحقيقة الكلام: «أَفْعَمَ السيلُ الوادي»، أي: ملأه، فأسند الفعل إلى المفعول في التقدير من غير أن يبنى له، فصار الكلام هكذا: «أَفْعَمَ الواديُ السيلَ»، ثم حذف الفاعل،


(١) أي: لأن المتكلم يروج حقيقة إسنادها فلا نصب. مخلوف.

(٢) قوله: «يلابس» مستأنف استئنافا بيانيا، أتى به لتفصيل الملابس. وقوله: «يلابس الفاعل» أي: الحقيقي. دسوقي.

(٣) فيلابسه بدلالته عليه تضمنا. وكذا يقال في الزمان. أو أن ملابسته للزمان لكونه لازما لوجوده، ويلابس المكان بسبب دلالته عليه التزاما باعتبار أنه لا بد له من محل يقع فيه. دسوقي معنى.

(٤) قوله: «والسبب ... إلخ» سواء كان السبب مفعولا له نحو: ضرب التأديب، أو لا نحو: بنى الأمير المدينة.

(٥) أي: للفاعل أو المفعول به، فالضمير راجع لهما، وأفرد الضمير لأن العطف بـ «أو».

(٦) أي: بين ذلك الغير وأحد الأمرين الفاعل والمفعول. مخلوف.