الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري
  وأقيم المفعول مقامه، وبني الفعل له، فصار: «أُفْعِمَ السيل»، وهو معنى كونه مجازًا؛ نظرًا إلى التركيب الأول، ثم سبك منه اسم مفعول، وقيل: «سيل مفعَم» - بفتح العين -، فأسند اسم المفعول إلى ضمير المفعول الذي كان في الأصل فاعلا.
  و: «جَدَّ جدُّه» في المصدر، حقيقته: «جد الرجل في جده(١)»، فحذف الفاعل، وأسند الفعل المبني له إلى المصدر مبالغة، فصار: «جَدَّ جِدُّهُ» مجازًا؛ لأن الجاد هو صاحب الجد - أي: من قام به الجد - لا نفس الجد.
  و: «نهاره صائم» في الزمان، حقيقته: «صام المرءُ نهارَه»، أي: في نهاره، ثم حذف الفاعل، وأسند الفعل المبني له إلى الزمان، فصار: «صامَ نهارُه»، وهذا معنى كونه مجازًا، ثم سبك من الفعل اسم فاعل، وأخبر به عن النهار فقيل: «نهارُه صائمٌ»، فإسناد الصوم إلى ضمير النهار مجازٌ؛ لأن الصائم هو الشخص.
  و: «نهر جار» في المكان، وحقيقته: «جرى ماءُ النهرِ»، أي: في النهر، فحذف الفاعل، وأسند فعله إلى المكان، وقيل: «جرى النهرُ»، وهذا معنى كونه مجازًا، ثم سبك من الفعل اسم فاعل، وأسند إلى ضمير النهر إسنادًا مجازيًّا؛ لأن الجاري الماء في النهر لا النهر.
  و: «بنى الأمير المدينة» في السبب، وحقيقته: «بَنَتِ الفَعَلَةُ المدينةَ بسبب أمر الأمير»، فحذف الفاعل، وأسند فعله إلى الأمير، فقيل: «بنى الأمير المدينة»، وهذا معنى كونه مجازًا.
  والمجاز العقلي يجري أيضًا في النسبة الإضافية، نحو: «أعجبني إنبات الربيع البقل»، وفي الإيقاعية، نحو: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}[الشعراء ١٥١]. فيكون معنى قوله: (أن يسند ..) الخ: مطلق النسبة: إسنادية كانت أو إضافية(٢) أو إيقاعية، ولا
(١) قوله: «في جده» لم أر لهذا الجار وجها مع عدم ظهور المعنى عليه، فالظاهر حذفه ونصب «جده». مخلوف. وعبارة الدسوقي: وأصله: جد زيد جدًّا، أي: اجتهادا.
(٢) النسبة الإسنادية: هي النسبة الواقعة بين المسند والمسند إليه. والإضافية: هي النسبة الواقعة بين المضاف والمضاف إليه. والإيقاعية: هي نسبة الفعل للمفعول، فالمجاز العقلي في الإسنادية تقدم. وأما في الإضافية فهو إضافة ما ينبغي للفاعل لغيره، وفي الإيقاعية هو إيقاع الفعل على غير المفعول به