المناهل الصافية شرح المقدمة الشافية،

لطف الله بن محمد الغياث الظفيري (المتوفى: 1035 هـ)

[الابتداء]

صفحة 231 - الجزء 1

  (وشذ) إثباتها (في الضرورة) كقوله⁣(⁣١):

  إذا جاوز الإثنين سر فإنه ... ببثٍّ وتكثيرِ الوشاة قمين

  فإذا كان قبلها كلام لا يحسن الوقوف عليه وجب في السعة حذفها، إلا أن تقطع كلامك الأول وإن لم تقف مراعياً حكم الوقف، بل لانقطاع النفس أو غيره⁣(⁣٢)، وقد فعل الشعراء ذلك في أنصاف الأبيات؛ لأنها مواضع الفصل، وإنما يبتدئون بعد قطع، كقوله [الكامل]:

  ولا يُبادرُ في الشتاء وليدُنا ... ألقِدْرَ ينزلها بغير رحال⁣(⁣٣)

  ولما كان مقتضى هذا الكلام عدم الإتيان بهمزة الوصل في الدرج، ولا بشيء يقوم مقامها وكان قد تقدم أن للعرب في نحو: آلحسن عندك؟ وآيمن الله يمينك؟ مذهبين، أفصحهما جعلها ألفاً - أشار إلى ذلك وإلى علته بقوله:

  (والتزموا جعلها ألفاً لا بين بين) أي: بين الهمزة والألف (على الأفصح) - كما عرفت فيما تقدم - (في نحو: آلحسن عندك؟ وآيمن الله يمينك؟ للبس) أي: التباس الاستخبار بالخبر؛ لتوافق حركتي الهمزتين،


(١) قائله: قيس بن الخطيم - بالخاء المعجمة كمافي القامو، والشاهد فيه: قوله: «الإثنين» بقطع همزة اثنين شذوذاً للضرورة. وقد روي: «بنث» - بفتح النون وتشديد المثلثة - مصدر من نث الحديث ينثه نثاً، إذا أفشاه. وروي أيضاً «فإنه ينشز»، وضمير «فإنه» للسر، والباء متعلقة بـ «قمين» بمعنى جدير، وقوله: «وتكثير» بالجر معطوف على «بث» وهو مصدر مضاف إلى المفعول، أي: السر المجاوز اثنين يكثر الأعداء والوشاة، وهو جمع واشٍ، وهو النمام، وقيل: هو مصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعوله محذوف، أي: وتكثير الوشاة ذلك السر. تمت. من شرح شواهد الشافية بتصرف.

(٢) كالفواصل. يعني فإنك تأتي بها.

(٣) نسب ابن عصفور البيت إلى لبيد بن ربيعة العامري الصحابي. وفي جميع نسخ المناهل التي قابلنا عليها: «ولا يبادر» بالياء وكذلك رواه الأعلم الشنتمري، قال: يقول: إذا اشتد الزمان فوليدنا لا يبادر القدر حسن أدب. فوليدنا: فاعل يبادر، والقدر: مفعوله، وينزلها: بدل اشتمال من القدر بتأويل المصدر. وأنشده كذلك المبرد في الكامل، وسيبويه في الكتاب. وأما في شرح الشافية فرواه: «تبادر» قالوا: وفاعله ضمير يعود على الكنة - أي: امرأة الابن - في بيت قبله. ووليدنا مفعوله، والقدر يجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب على شريطة التفسير. وفي نسخ المناهل: «بغير رحال» ولم نقف عليه بهذه الرواية بل كل من ذكره يرويه: «بغير جعال» والجعال - بكسر الجيم -: الخرقة ينزل بها القدر. ومراده بالشتاء: زمن القحط. والاستشهاد بالبيت في قوله: «ألقدر» حيث قطع الشاعر همزة الوصل لضرورة الشعر.