هيئة التائب
  عادتها حتى ترجع عن شهواتها، ولا يُدرك ذلك منها إلا بصدق الإرادة، والصبر والمعالجة، وكثرة الخوف، والعمل بالصواب، وإذا ظفرت بها حتى تردها إلى طاعة الله ورضاه، ووُفِّقت لذلك فاشكر الله، واعترف له بالطاعة إذ جعل ذلك لك بتوفيقه.
  فينبغي لك من بعد ذلك أن تقلع عن الهوى، وتُصَمَّ أذنه، وتخرج التخاليط والآفات من أماكن مزرعتها، وتغلب هواك وتحذر النسيان والغفلة، ووسوسة الشيطان، وسرعة العجلة وتأخير الخير، وتحذر التواني والعجز.
  واعلم يقيناً أنك لا تظفر بذلك من نفسك إلا بالقهر، وتمنعها من الرغبة، والحرص، والكبر، والرياء، والحسد، والرياسة، والبخل، وطول الأمل، والتقلب في طلب الشهوات، ومحبة الدنيا، والتصنع للناس، وحب المحمدة، وترك الغش والخيانة، وخوف الفقر، والطلب لما في أيدي الناس، ولا تنس الموتَ، واترك الغفلة والشح والسفالة والسفاهة.
  فإذا نصرت على ذلك وأنفيته عن نفسك، فاشكر الله كثيراً فقد شكر سعيك، فعند ذلك تصح أعمالك، غير أن النَّفس لا تصلح حتى تكدّها، وتقهرها وتجهدها، لأنها أمَّارة بالسوء والفحشاء، وبالشر والفتنة والآفات مولعة، وهي خزانة إبليس، منها خرج وإليها يعود، وهي تزِّين لصاحبها تسعة وتسعين باباً من أبواب الطاعات والخير، لتظفر به في كمال المائة، فكيف يسد السيل العريض من لا يعرف مجراه؟! وكيف يعرف عدوه ودنيِّاه وقربه من ليس يختلف إلى العلماء؟ ولا يخالط الحكماء، ولا يجالس الصالحين.
  فإذا أردت النجاة فتعلم العلم من العلماء، وخذ الحكمة من الحكماء، ولا تشد على نفسك مرة وترخي عنها مرة، ولكن أقبل عليها بعزم صحيح، وورع شحيح، وصبر ثخين، وأمر متين، حتى تمنعها عن شهواتها، وترجعها عن شر عاداتها.
  ثم اجمع أطرافك إلى وسطك - أعني إلى قلبك - وهو أن تحكِّم القلبَ على الجوارح، ولا تُحكِّم الجوارحَ على القلب، ولا يتم لك عمل ولا يخلص لك إلا