الدرس الثالث والعشرون الصدقة تبارك المال
  حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ١٩ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ٢٠ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ٢١ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ٢٢}[الإنسان].
  والمعروف أن هذه الآيات بلا خلاف نزلت في أهل بيت رسول الله À.
  وهناك قصة مع واحد من عظماء الإسلام، وسيد من أولاد الرسول ÷، وهو الإمام الأواه، سيد العابدين، علي بن الحسين، فقد روي: أنه كان يقوم في الليل فيحمل على ظهره الصدقات، فيطوف بها ويوزعها على الضعفاء والمساكين دون أن يشعروا بذلك، وإنما يطرق أبوابهم، فإذا أجابوا وضع حاجاتهم عند الباب، وذهب مسرعاً، ولم يعرف أولئك المساكين إنه هو الذي كان يعولهم بهذه الطريقة الخاصة إلا بعد وفاته #؛ لانقطاع ما كانوا يعتادونه منه، ولأجل ظهور أثر ذلك العمل على ظهره الشريف عند غَسله لموته.
  فسلام الله عليه ما أروعه وما أحرصه على مشاعر الضعفاء والمساكين، وما أشد إخلاصه، وصدقة السر تطفئ غضب الرب كما تقدم عن الرسول الأكرم ÷.
  ومن المعروف أن الله تعالى نهى عن الصدقات المتبوعة بالمن والأذى، فقال جل وعلا: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ٢٦٣}[البقرة].
  ومهما عمل الإنسان من عمل وفيه شائبة من الرياء والمنة فإنه من الخاسرين.
  ومن المعلوم أن الأغنياء وكلاء الله، فليعطوا عباد الله الضعفاء؛ فلقد روي عن رسول الله ÷ أنه قال: «إن الله ﷻ في آخر ساعة تبقى من ساعات الليل يأمر ملكاً ينادي فيسمع ما بين الخافقين ما خلا الإنس والجن ألا هل من مستغفر فيُغفر له، هل من تائب يُتب عليه، هل من داع بخير يُستجب له، هل من سائل يُعط سؤله، هل من راغبٍ يُعط رغبته، يا صاحبَ الخيرِ أقبلْ، يا صاحبَ الشر أقصرْ، اللهم أعط كل منفق مالٍ خلفاً، وأعط كل ممسك مالٍ تلفاً»(١).
(١) الأحكام: ٢/ ٥٣٢.