الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم لنفسه على غيره، ولا يحكم عليها لغيره، وهو يُطاع ويعصي ويستوفي ولا يوفِّي».
  قال العالم: كيف تعرف نفسك؟
  قال الوافد: أعرف حدثها، وأعرف صنعها، وأعرف عجزها، فأجهدها في طاعة ربها، وأحملها على الخوف بحالها واحتمال الأذى، وأحثها على الطلب لما فيه نجاتها، وأصرفها من الكذب إلى الصدق، ومن الطمع إلى الورع، ومن الشك إلى اليقين، ومن الشرك إلى الإخلاص، وأخرجها من محبوبها في الدنيا، وأريضها في السفر حتى تنال كرامة الله في الآخرة.
  [ثم] قال العالم: فكيف عرفت دنياك؟
  قال الوافد: عرفت فناها وتقلُّبَها وغدرها وخدائعها فحذرتها، ونظرت وميزت، فإذا الدنيا تغر طالبها، وتقتل صاحبها، تفرق ما جمع، وتغير ما صنع، فعرفت أنها تفعل بي كما فعلت بالأولين.
  [ثم] قال العالم: فكم الناس؟
  قال الوافد: أربعة: واحد فيه خير وشر، والثاني شر بلا خير، والثالث خير بلا شر، والرابع لا خير فيه ولا شر.
  قال العالم: فما هم بعد ذلك؟
  قال الوافد: نُبْلٌ وَسُفْلٌ، فلا النبل لهم قدر عند السفل، ولا السفل لهم قدر عند النبل.
  قال العالم: فكم الكلام؟
  قال الوافد: أربعة: خطاب، وجواب، وخطأ، وصواب.
  [ثم] قال العالم: فما أعظم الأشياء؟