[أقسام النظر وما هو الواجب منه]
  الحق، وهذا الذي ذهب إليه قدماء أئمة أهل البيت $، وأبو علي من المعتزلة.
  وقال سائر المعتزلة: إنما وجب النظر عقلاً لكون معرفة الله سبحانه واجبة، ووجه وجوبها هو كونُها لطفاً للمكلفين في القيام بما كُلفوا، أو جاريةً مجرى اللطف.
  قالوا: لأن حقيقة اللطف: هو ما يمتثل المكلف عنده ما كُلِّفَهُ لأجل أنه كلفه أو يكون أقرب إلى ذلك، ولا شك أن المعرفةَ بهذه الصفة، فإن مَنْ عرف أن له صانعاً يُثيبُ مَنْ أطاعَه ويُعاقبُ مَنْ عصاه كان أقرب إلى طاعته، وتحصيلُ ما هو لطف بهذه الصفة واجبٌ، وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه. وربما فسروا ذلك بأنها تمكين من اللطف؛ لمَّا كان اللطف الذي له حظ الدعاء والصَّرْف إنما هو العلم بالثواب والعقاب بعد معرفة الله تعالى - فهي وصلة(١) إلى ما هو لطف.
  والجواب - والله الموفق -: أنها لو كانت لطفاً أو جاريةً مجراه لما وجبت؛ إذ لا يجب اللطف كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وأيضاً ليس لتحصيل اللطف من جهة المكلف أن يفعله لنفسه وجهٌ في الوجوب، وإنما الواجب عليه القيامُ بما كُلِّف به من غير واسطةِ أمرٍ يكون ذلك الأمر مسهِّلاً له فعلَ الواجبِ؛ لأنه ليس مقصوداً في نفسه؛ فيلزم أن لا تكون معرفة الله سبحانه واجبةً؛ لأنها ليست مقصودةً في نفسها، وإنما هي مسهِّلة لما هو الواجب الحقيقي.
  (و) أما دلالة الشرع فمنها (قوله تعالى: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ..} [الغاشية: ١٧] الآيات)، وهي {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ١٨ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ١٩ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ٢٠}[الغاشية]، (ونحوها) كثير، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}[الروم: ٨].
(١) في (أ): موصلة.