[أقسام النظر وما هو الواجب منه]
  (قالوا) - أي: التعلميَّة -: (لا يدرك بالعقل إلا الضروريات فقط) لا الاستدلاليات، (فيدرك الإمام) أي: إمام القرامطة(١) (أو) يدرك (الشيخ) أي: شيخ الصوفية (ما يناسب حروف القرآن) من المعاني والأحكام (وغيرَهُ) أي: غير المناسب (من المغيبات ضرورة) أي: بضرورة العقل لا بنظر واستدلال (ثم) بعد إدراكهما ذلك (يُعلِّمانه) الناس.
  (قلنا) جواباً عليهم: (العلم بأنا ندرك) المدركات (بالنظر) والاستدلال (ضروري) لا ينكره عاقل، (كالعلم بأنَّا نَروى بالماء ونَشبع بالطعام) وأنا ندرك الألم والشهوة حين يوجد سبَبُهُما، وإنكارُ ذلك سفسطةٌ، (وقولكم: يدرك الإمام والشيخ ما يناسب حروف القرآن وغيرَهُ من المغيبات ضرورةً مجردُ دعوى منهما) إن كانا ادعيا ذلك (عليكم بلا دليل) على صحة دعواهما، وأيّ فرق بينكم وبينهما (حيث لم تدركوا) أنتم (ذلك) أي: المناسب والغائب (ضرورةً مثلهما)؛ لأن الحواس سليمة والموانع مرتفعة في حق الجميع، فلا مخصص لهما بصحةِ هذه الدعوى دونكم، (و) لكنكم (لم تنظروا في صحة دعواهما؛ لبطلانه) أي: النظر (عندكم) فَدَلَّسَا عليكم بذلك، (وكل دعوى بلا دليل لا شك في بطلانها)، لا سيما إذا استلزمت إنكار ما علم بضرورة العقل، (وإلَّا) تكن باطلةً (فما الفرق بين دعواهما ودعوى من يقول) من سائر الناس: إن (المناسب) للحروف (والغائب) أي: المعلوم الغائب (خلاف ذلك) الذي ادعاه الإمام أو الشيخ؟!
  وقالت (المجبرة(٢)) كافة: (لا يجب) النظر (إلا سمعاً) بناءً على أصلهم من
(١) نسبة إلى رجل يقال له حمدان قرمط، كان أحد دعاتهم في الابتداء، فاستجاب له في دعوته رجال فسموا قرامطة وقرمطية، وكان من أهل الكوفة. (فضائح الباطنية للغزالي باختصار).
(٢) يسمون مجورة وقدرية ومجبرة ولا يرضون بأيها بل يتسمون بالسنية ويجمع مذهبهم القول بخلق الأفعال وإرادة المعاصي وتعذيب من يشاء بغير ذنب وإنه لا يقبح منه شيء. (من الشرح =