[معرفة الاستدلال والشبهة]
  مثال الأول: أن يستدل الخصم على جواز استقبال القبلة بالبول والغائط بما رواه ابن عمر أنه قال: اطَّلعت على النبيء ÷ وهو يقضي حاجته محجوراً عليه بلَبِنٍ وهو مستقبل القبلة، بعد الاتفاق بيننا وبين الخصم أن النبيء ÷ قد نهى قبل ذلك عن استقبال القبلة بالبول والغائط - فنقول: إن صحت رواية ابن عمر ما دلت على الجواز؛ لجواز أن يكون فعلُه في استقبال القبلة بالبول والغائط خاصّاً به أو لعذرٍ أو نحو ذلك؛ لأن فعل النبيء ÷ المعارِضَ لقوله لا يكون نسخاً لقوله العام للمكلفين على مذهب الخصم، بل يكون فعله: إما تخصيصاً(١) وإخراجاً لنفسه ÷ من العموم، أو نسخاً في حقه(٢) فقط، أو تكون الحالةُ حالةَ ضرورة(٣).
  ومثال الثاني: أن يستدل الخصم على جواز أكل القريط بظاهر قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[البقرة: ٢٩] - فيبطل قوله بالقياس على الخمر، بجامع الإسكار، والقياسُ وإن أفاد الظن(٤) في بعض الصور فإنه قد دل الدليل القاطع على وجوب العمل به كما هو مقرر في موضعه.
  (لا بغيرهما) أي: لا بغير الدليل القطعي، والدليلِ الذي يستلزمه الخصم أو يدل على صحة كونه دليلاً دليلٌ قاطع - من سائر الأدلة التي ليست قطعية ولا يستلزمها الخصم ولا يدل على صحة كونها دليلاً دليلٌ قاطعٌ.
  مثاله: الاستدلال على وجوب الزكاة في القليل والكثير بالآية: {وَآتُوا حَقَّهُ
(١) حيث لم يتراخ.
(٢) إن تراخى.
(٣) فحينئذٍ بطل احتجاج الخصم بما رواه ابن عمر وتعين كونه شبهة بالدليل المستلزم له. (ش ك باختصار).
(*) في الأصل: ضرورية.
(٤) صوابه: وإن لم يفد إلَّا الظن. من هامش (ب).