[دليل القياس العقلي]
  بعد أن لم يكن، (فحدوثُ العالَمِ لا يخلو: إمَّا أن يكون لفاعلٍ، أو لغيرِه) مما زعم أنه يؤثر كالعلة ونحوها (أو لا لفاعلٍ ولا لغيره، ليس الثالث؛ لأن تأثيراً لا مؤثر له محال) يُعرف بضرورة العقل، (وبذا) أي: بكونه(١) محالاً (يعرف بطلان قول عوام الملحدة: «إن الدجاجة والبيضة محدثتان(٢) ولا محدث لهما»)، وكذا قولهم في الحوادث اليومية. ويكفي في بطلان قولهم كونُه جحداً للضرورة، فإن العقلاء يحكمون بفطرة عقولهم أن المُحدَث لا بُدَّ له من مُحدِثٍ، وأن الأثر لا بد له من مؤثِّر، (و) بذا يعرف أيضاً بطلانُ (قول ثمامة) بن الأشرس(٣) من المعتزلة: «أن (المتولد) من الأفعال (مُحدَث لا مُحدِثَ له)»، وسيأتي تحقيق قوله وإبطالُه(٤) إن شاء الله تعالى، (وإلَّا) أي: وإن لم يكن تأثيرٌ لا مؤثر له محالاً عند العقلاء (لزم أن يوجد بِناءٌ بلا بانٍ، وهو محال)؛ فثبت أن المُحْدَثَ لا بد له من مُحْدِثٍ.
  (ولا الثاني) وهو كون المؤثر في العالم علةً أو نحوَهَا مما زُعِم تأثيره - وإن كان في الحقيقة غيرَ مؤثرٍ -؛ (إذ لا تأثير لغير الفاعل كما تقدم في فصل المؤثرات؛ فثبت أنه) أي: حدوث العالَم (لفاعلٍ) أحدثه وصنعه واخترعه من العدم المحض بعد أن لم يكن شيئاً، وهو الله رب العالمين.
  (قالوا) أي: مَن خالف في حدوث العالَم من الفلاسفة وغيرهم: (تعلقُ القدرةِ(٥) به) أي: بالعالم في (حال عدمه محال).
(١) أي: بكون تأثير لا مؤثر له محالاً عند العقلاء. (ش ك).
(٢) يقولون: لا نعرف دجاجة إلا من بيضة، ولا بيضة إلا من دجاجة. (ش ك).
(٣) هو ثمامة بن أشرس النميري أبو معن، من كبار المعتزلة، وأحد الفصحاء البلغاء المقدمين، كان له اتصال بالرشيد ثم بالمأمون، وكان ذا نوادر وملح، من تلاميذه الجاحظ. (الأعلام للزركلي باختصار). وفي المنية والأمل: هو من الطبقة السابعة من المعتزلة كان عدلياً وهو الذي ناظر أبو العتاهية الشاعر الجبري فقطعه وأفحمه وهما بحضرة المأمون العباسي.
(٤) في باب المتولدات. (ش ك).
(٥) أي: قدرة المؤثر. (ش ك).