(فرع): [والله تعالى لا تدركه الأبصار]:
  والثاني: قيل: إنه خولط في عقله آخر عمره والكتبة يكتبون عنه على عادتهم، ولأنه كان متولياً لبني أمية ومعيناً لهم على أمرهم.
  (وإن صح) على سبيل الفرض والتقدير (فمعناه: ستعلمون ربكم)؛ لأن الرؤية تستعمل بمعنى العلم كثيراً، (كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}[الفرقان: ٤٥]، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} [البقرة: ٢٤٦]، أي: ألم تعلم، و) كذلك (قول الشاعر(١):
  رأيت الله إذ سمى نزاراً ... وأسكنهم بمكة قاطنينا
  أي: علمته).
  ويقول القائل: رأيت عقل زيد صحيحاً، ونظرت إلى عقله.
  فإن قالوا: هو على حذفِ مضافٍ. قلنا: وكذلك في الخبر.
  وأيضاً: يجب رَدُّ المتشابهِ إلى المحكم، والمتشابُه ما تقدم من الآية والخبر، والمحكم ما سيأتي من الآيتين قريباً إن شاء الله تعالى.
  (و) أيضاً (لنا) حجة من السمع (قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٣] ولم يفصل تعالى) يعني: بين الدنيا والآخرة في ذلك، (وقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}) في جواب قول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف: ١٤٣].
  قال صاحب الكشاف: إن بعض سفهاء بني إسرائيل طلبوا من موسى أن يُريَهُم اللهَ تعالى؛ بدليل ما حكى الله سبحانه عنهم من قولهم {أَرِنَا الله جَهْرَةً}[النساء: ١٥٣]، فأنكر عليهم موسى ~ وألزمهم الحجة ونبههم على الحق، فتمادوا وضلوا
(١) الشاعر هو الكميت بن زيد بن خنس الأسدي، أبو المستهل، شاعر الهاشميين، من أهل الكوفة، اشتهر في العصر الأموي، وكان عالماً بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها، ثقة في علمه، منحازاً إلى بني هاشم، كثير المدح لهم، مولده سنة ٦٠ هجري وتوفي سنة ١٢٦ هجري. (الأعلام للزركلي باختصار).