[الكلام على لفظ رحمن ورحيم]
  مجاز من القرينة(١) كما سبق ذكره (وهما لا يفتقران) إليها، (بل لا يجري لفظ «رحمن» مطلقاًَ) أي: مضافاً وغير مضافٍ (و) لا يجري لفظ (رحيم) حال كونه (غيرَ مضافٍ إلا له تعالى) دون غيره، وأما إذا أضيف «رحيم» فإنه يقال: «فلان رحيم بعشيرته»، (ولو كانا) أي: رحمن ورحيم (لغويتين) أي: حقيقتين لغويتين (لاستلزما التشبيه) له - جل وعلا عن ذلك - بذي الحنو والشفقة والرقة من خلقه (وقد مَرَّ إبطاله) أي: إبطال التشبيه.
  قلت: ولا بُعْد في كونهما مجازين في حقه تعالى، وقرينتُهما العقل والسمع؛ وذلك أنه شبه فعلَه تعالى بالمخلوقين: من إسبالِ النعمِ عليهم في الدنيا والآخرة وإمهالِهِم والسترِ عليهم في دار الدنيا وقبولِ التوبة ونحوِ ذلك - بفعل ذي الحُنُوِّ والرقة والشفقة، ولا يلزم من تشبيه فعله سبحانه بفعل المخلوقين(٢) تشبيهُهُ جل وعلا بشيءٍ من خلقه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى من بعد في رحمة الله تعالى.
  ومن ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء ١٤٢] وَ {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[آل عمران: ٥٤]، ونحو ذلك.
  وأيضاً: قد(٣) ثبت أنَّ الرحمة في حقه تعالى مجاز فكذلك ما اشتُق منها، وهو رحيم ورحمن، والله أعلم.
  (ورحيمٌ) ورحمن مع كونهما حقيقتين دينيتين - مختلفان، فـ «رحيمٌ» (منقولٌ) من معناه اللغوي إلى المعنى الشرعي، (ورحمن غيرُ منقولٍ) من معنى اللغوي إلى غيره؛ (إذ لم يطلق) أي: رحمن (على غيره) جل وعلا (لغةً) أي: في لغة العرب (البتة) أي: في كل حال لا مقيداً ولا غير مقيدٍ، يقال: «لا أفعله بتَّة، ولا أفعله البَتَّة» لكل أمر لا رجعةَ فيه، ونَصْبُهُ على المصدر، (وقولُهم) أي: قول بعض بني تميم الْمُغْتَرِّيْنَ بمُسيلمة الكذاب: (رحمن اليمامة) لمسيلمة لعنه الله،
(١) في الأصل: من قرينة، وفي (أ، ب): القرينة.
(٢) في الأصل و (ب): المخلوق. وفي (أ): المخلوقين.
(٣) في الأصل: فقد. وفي (أ، ب): قد.