[متى يحسن الفعل مطلقا]
  وقد عرفت بما(١) تقدم أن كلام البغدادية إنما هو في مطلق الأفعال التي ليس لها جهة حسن ولا قبح ظاهرين كما مَرَّ؛ لأنهم لا يخالفون أن ابتداء الإحسان وصنائع المعروف حسنةٌ بحكم العقل من غير نظر إلى إذن الشرع وإباحته.
  وأما في حق الله تعالى فقالت (الأشعرية: ويحسن) الفعل (لانتفاء النهي في حق الله تعالى)، قالوا: فلمَّا كان تعالى هو الآمر الناهي ولا يأمره تعالى ولا ينهاه أحدٌ - كانت أفعاله كلُّها حسنة، وقد تقدمت رواية السيد الشريف(٢) عن أكثر الأشعرية أن القبيح عندهم: ما نهى عنه الشرع، والحسن بخلافه؛ فعلى هذا يكون ما سكت عنه الشرع حسناً عندهم، والله أعلم.
  وقال (بعض المجبرة: بل) يحسن الفعل منه تعالى؛ (لكونه تعالى رَبّاً) فله أن يفعل في المربوب ما شاء، وهذا (في حقه تعالى)، وأما في حق العبد فلإباحة الشرع كما سبق.
  وقالت (المجبرة جميعاً: ويفعل الله - تعالى عن ذلك - نحوَ الكذب) وسائر المقبحات عموماً، قالوا: ولا يقبح ذلك منه. واختلفوا في العلة على حسب اختلافهم في قبح الفعل من العبد، فقيل: (لعدم النهي) وهذا (عند الأشعرية، وقيل: لكونه تعالى رباً) وهذا (عند غيرهم) أي: غير الأشعرية، وهم القائلون بأن الفعل يقبح من العبد لكونه مربوباً.
  ولقد أعظموا - قاتلهم اللهُ - الفِرْيَةَ على الله جل وعلا حيث جعلوا القبائح مستقبحة عندهم من المخلوق الذي يفعلها لحاجته وشهوته ولم يجعلوها قبيحةً في حق الخالق الذي لا تجوز عليه الحاجة والشهوة ولا يفعل خلاف ما تقتضيه الحكمة، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
(١) في (ب): «مما».
(٢) في فصل: التحسين والتقبيح في شرح قوله: «فلا يدرك العقل فيها جهة حسن ولا قبح ... الخ». (من هامش ب).