(فصل): [في أفعال العباد]
  بطلان قول الصوفية والجهمية، والفرْقِ الضروري بين أفعالنا وألواننا ونحوها، ولكنهم أثبتوا ما لا يعقل فكانوا أعظم جهلاً.
  ورُبَّما قالت الأشعرية في المتولِّد كقول الجهمية، وفي المباشر كقول النجارية، حكى هذا عنهم النجري، قال: وأما متأخرو علمائهم كالجويني والغزالي والرازي والإسفرائيني فذهبوا إلى أن قدرة العبد هي المؤثرة، لكنهم جعلوها موجِبةً مقارِنةً؛ فلزمهم نسبة الأفعال إلى الله تعالى؛ لأن فاعل السَّبب فاعل المسبَّب، وذلك فرار عمَّا لزم الأولين، ولم يوصلهم ذلك الفرار إلى مَلْجَأ ولا منجى.
  (قلنا) ردّاً على المخالف في المسألة: (حصولُه) أي: فعلنا (منَّا بحسب دواعينا وإرادتنا) له، وانتفاؤه بحسب صوارفنا عنه وكراهتنا له (معلومٌ) عند كل عاقل (ضرورةً) أي: بضرورة العقل، وذلك (عكس نحو الطول والقصر) والسواد والبياض فإن ذلك لا يقف على اختيارنا ولا إرادتنا وكراهتنا.
  (و) لنا من السمع (قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠]) فنص على أن العمل من العباد بحسب مشيئتهم؛ ولذلك توعد جل وعلا وتهدد عليه، (ونحوها) كثير من آيات القرآن، نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}[المؤمنون: ٥١]، وهو مملوءٌ من نحو «خبير بما تعملون، وتصنعون».
  (و) لنا على المخالفين أنه (يلزم) من قولهم ذلك (أن يجعلوا الله تعالى) [عن ذلك](١) (عُلوّاً كبيراً - كافراً؛ لفعله الكفر، وكاذباً؛ لفعله الكذب، ونحو ذلك) من القبائح التي افترتها المجبرة على الله سبحانه من أفعال عبيده، (و) يجعلوا (نحو الكافر والكاذب) ومرتكب سائر القبائح (أبرياءَ من ذلك، لُعنوا بما قالوا) أي: لعنهم الله والملائكة والناس أجمعون بنسبةِ القبائح إلى الله تعالى وتنزيه أنفسهم عنها. والمجبرة في هذه المسألة يكابرون عقولهم ويُنكرون الضرورة، كقولهم في التحسين والتقبيح العقليين؛ لتلازم هاتين المسألتين.
(١) ما بين المعقوفين من (ب).