عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في أفعال العباد]

صفحة 287 - الجزء 1

  رُوِيَ أن الإمام الهادي # لما دخل صنعاء اجتمع لمناظرته سبعةُ آلاف فقيه منهم، واختاروا منهم سبعمائة فقيه وكبيرهم النَّقَوِي⁣(⁣١)، فلما حضروا للمناظرة قال النَّقَوِي للهادي #: يا سيدنا، ما تقول في المعاصي؟

  فقال الهادي #: وَمَنِ العاصي؟

  فلم يجبه النقوي بشيءٍ وبقي متحيراً، فَلَامَهُ أصحابُه بعد ذلك فقال: إن قلت: الله - كفرت، وإن قلت: العبد - خرجت من مذهبي؛ ثم ثبت الحكم في صنعاء بعد ذلك بمذهب أهل العدل.

  (ويلزم من إفكهم ذلك بُطلان الأوامر والنواهي) من الله تعالى (وإرسال الرسل) إلى المكلفين؛ (لأنه لا فعل للمأمور) بزعمهم، فكيف يحسن أمرُ من لا يستطيع الفعل ونهيه؟ وكيف يحسن إرسال الرسل وإنزال الكتب مع ذلك؟

  (والكل) مما اعتقدوه ولزمهم (كُفْرٌ) لا ريب فيه.

  (قالوا: قال الله تعالى: {وَالله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}) [الصافات: ٩٦]، وجعلوا «ما» مصدرية، أي: والله خلقكم وعملَكم.

  (قلنا:) ليس كما زعمتم، بل (معناه): والله (خلقكم والحجارةَ التي تعملونها) وتنحتونها (أصناماً لكم) تعبدونها من دون الله، فكيف تعدلون عن عبادة الله ربكم إلى عبادة الحجارة التي تعملونها أنتم بأيديكم أصناماً وتصورونها بزعمكم آلهةً؟! هذا من أحول المحال أن تصنعوا لكم أرباباً بأيديكم، وهي من الحجارة والخشب التي خلقها الله تعالى غيرَ أصنامٍ؛ (بدليل أول الكلام، وهو قوله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}) أي: أتُوجهون العبادة لما تصنعونه بأيديكم؟! وهذا إنكار عليهم، فلو كان النحت والعبادة فعلَ اللهِ لَمَا تمَّ الإنكار عليهم ولا استقامت لإبراهيم # حجة على الكافرين، وكيف ينكر عليهم ما هو من فعل الله سبحانه؛ فثبت أن لفظ «ما» في الموضعين بمعنى الذي.


(١) النقوي: يحيى بن عبدالله بن كليب، قاضي صنعاء، كان قدريّاً جبريّاً. (أخذاً من لوامع الأنوار).