[الكلام على قدرة العباد وخلقها فيهم وإيجاد أفعالهم بها وما يلحق بذلك]
  لعباده قدرة يتصرفون بها (لكان فعل الفاعل) من العباد للمعصية والفساد (منازعةً له) تعالى (في سلطانه) ومغالبة له؛ حيث نهاهم عن فعل ذلك فعصوه ونازعوه وغالبوه بفعله ففعلوه.
  (قلنا: ليس فعل العبد منازعةً) لمولاه في سلطانه: (أما) في (فعل الطاعة والمباح فواضح)؛ إذ ليس مكروهاً لله تعالى، (وأما فعل المعصية فهو كفعلِ عبدٍ قال له سيده: لا أرضاك تأكل البُرَّ) لمصلحة رأيتها لك (ولا أحبسك عنه، لكن إن فعلت) فأكلت البُرَّ مخالفةً لأمري (عاقبتك) على ذلك، (فَفِعْلُ العبدِ) أي: أكله للبُرِّ (ليس نزاعاً) لسيده في سلطانه؛ (لأنَّ النزاع) هو (المقاومة والمغالبة، وهذا العبد لم يقاوم ولم يُغالب) سيده، فكذلك العبد العاصي لله تعالى.
  (قالوا) أي: المجبرة جميعاً: (سَبَقَ في علم الله تعالى أن العاصي يفعل المعصية)، فكيف يتمكن من ترك المعصية مع ذلك؟ وقالوا: قد رُوي أنه يكتب في جبينه مؤمن وكافر وشقي وسعيد.
  (قلنا: عِلْمُ الله تعالى) بعصيان العبد وطاعته لا تأثير له في فعل الطاعة والمعصية؛ لأنه (سابق) لهما (غير سائق) إليهما، فما اختاره العبد من فعل الطاعة أو المعصية عَلِمَهُ الله سبحانه منه قبل حصوله، بل قبل حصول العبد وحدوثه ولا تأثير لعلمه تعالى في حدوث الفعل البَتَّة؛ (فلم يُنَافِ) علمُ اللهِ سبحانه بما سيفعله العبد (تمكُّنَ العاصي من الفعل والترك) فإن فعل العبد الطاعةَ علمها الله منه قبل أن يفعلها وكذلك المعصية، فعلمه تعالى مشروطٌ باختيار العبد للفعل أو إكراهه(١) عليه.
  (وإن سُلِّم ما ادَّعته المجبرة) «من أن علم الله سائق» عارضناهم بمثله، فنقول: إذا زعمتم ذلك (فعلم الله تعالى) بأن العبد متمكنٌ من فعل الطاعة وتركها على وفق اختياره (ساقه إلى التمكن؛ إذ هو تعالى عالم أن العاصي متمكن) من فعل
(١) في (ب): «كراهته له».