(فصل): [في الجناية من المخلوقين]
  (لنا) عليهم: (ما مَرَّ من أنه لا عوض لصاحب الكبيرة)، بل ذلك معلوم بالمشاهدة من حال كثير من المتجبرين في الأرض، كفرعون والحجاج وغيرهما ممن أكثر الفساد في الأرض بالقتل والحبس وأخذِ الأموال وغيرِ ذلك - فإنهم يموتون من دون أن يقع بهم من الآلام ما يُوفي بحق مَنْ جَنَوْا عليه.
  (قالوا:) لا يصح أن يكون العوض للمجني عليه من الله؛ لأن (الذي من الله تفضل لا إنصافٌ) للمجني عليه من الجاني.
  (قلنا: قد حصل الإنصاف بزيادة العذاب) للجاني وإخبار المجنيِّ عليه إن كان مكلفاً، (كالقصاص) من الجاني في الدنيا فإنَّه إنصاف اتفاقاً، مع أنه لم يَصِرْ إلى المجني عليه شيء من عوض الجاني.
  (فإن تاب) الجاني بعد وقوع جنايته ولم يصر إلى المجني عليه من جهة الجاني شيء في الدنيا عوضاً عن جنايته (جاز أن يقضي الله عنه، كما لا يعاقبه) بعد توبته كذلك يجوز أن لا ينقصه شيئاً من أعواضه فيتفضل الله سبحانه بالقضاء عنه (وجاز أن يقضي الله) المجنيَّ عليه: إمَّا (من أعواضه) أي: أعواض الجاني (إن جعل) الله (له أعواضاً) من بعد توبته (أو من أحد نَوْعَيِ الثواب وهو النعيم) أي: المنافع والملاذّ والمُشتهيات (دون التعظيم) وهو الإجلال برفع المنازل ونحو ذلك؛ لأن الثواب نوعان: نِعَمٌ وتعظيمٌ.
  وقال (جمهور المعتزلة: لا يجوز إلَّا من أعواضه) أي: أعواض الجاني، ولا يجوز أن يقضي الله عنه، ولا من أحد نوعي الثواب، كما لا يسقط الأرش بالعفو عن الجاني فيما يجب فيه القصاص.
  وقال أبو القاسم البلخي، ورُوي عن ابن الملاحمي وغيره: لا يجوز إلَّا الأول، وهو أن يقضي الله عنه؛ لأن التوبة صَيَّرت الفعل كأن لم يكن، و (كما لا يعاقبه) على الذنب الذي تاب منه لا يُنقصه شيئاً من أعواضه بسببه.
  قال #: (قلت - وبالله التوفيق -: لا مانع من تفضُّله تعالى بالقضاء،