[الخلاف في كيفية فناء العالم]
  مخصص؛ فبطل أن يكون المؤثر في عدم العالم وانتفائه أمراً موجِباً.
  قال: ومحال أن يكون المؤثر في فناء العالم مختاراً؛ لأن الفاعل لا بُدَّ له من فعل يؤثر فيه، والإعدام ليس أمراً ثبوتيّاً، بل هو نفي محض؛ فاستحال إسناده إلى الفاعل.
  (قلنا) ردّاً على الجاحظ ومن تبعه: انتفاءُ العالم وإعدامُهُ لمؤثرٍ مختار، وهو الله سبحانه وتعالى، كما ابتدعه واخترعه من لا شيء كذلك يعيده نفياً محضاً، ولا شيء حينئذٍ إلا الله الواحد القهار، ولا محال يلزم من ذلك، (كذهاب المصباح والسحاب) فإن ذلك يصير نفياً محضاً عدماً بعد كونه جسماً، وذلك مشاهد بالضرورة (فليس) ما ذهبنا إليه من إعدام العالم (بمحالٍ).
  فإن قالوا: إنَّ أجزاء المصباح والسحاب لم تصر عدماً وإنما تفرقت وتبددت في الآفاق.
  قلنا: هذا خلاف المعلوم بالضرورة، وليس خلق الأجسام من العدم المحض بأعجب من إرجاعها إلى العدم المحض.
  (و) مما يدل على ذلك من السمع (قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} ... الآية) [الحديد: ٣]، فمعنى الأول: أنه تعالى المتفرد بالأولية، أي: كان ولا كائن غيره تعالى اتفاقاً، فكذلك يكون معنى قوله تعالى: {وَالآخِرُ}، أي: المتفرد بالآخريَّة، أي: الباقي بعد فناء كل شيء وإعدامه.
  ولو كان الفناءُ بمعنى التبديد والتفريق لَمَا صدق عليه قوله تعالى: «إنه الآخر» أي: المتفرد بالآخرية؛ لأنه قد شاركه في هذه الصفة الأجسام المتبددِّة.
  ولنا قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم: ٢٧]، ولا تُعقل الإعادة إلَّا بعد الإعدام، وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[الأنبياء: ١٠٤]، وكان الابتداء عن عدم، فكذلك تكون الإعادة عن عدم، وغير ذلك.
  (و) لنا ما ذكره علي # (في النهج) أي: نهج البلاغة في خطبة التوحيد من قوله #: (هُوَ الْمُفْنِي لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا)