[الخلاف في كيفية فناء العالم]
  ولَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا واخْتِرَاعِهَا، وأنه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه (كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان) ولا حين ولا زمان عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السِّنون والساعات ..» (إلى قوله #: «ولا شيء إلَّا الله الواحد القهار»).
  وقوله # في خطبة الأشباح: (الاَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيءٌ قَبْلَهُ، وَالاخِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ)، وهذا كله نصٌّ فيما ذهبنا إليه من إعدام العالم.
  فإن قالوا: الإعدام غير محال، ولكن لا تصح الإعادة إلَّا لتلك الأجسام المتبددِّة التي أطاعت الله سبحانه وتعالى وعصته، ولو عدمت كان المُعَادُ غيرَها، وذلك يؤدِّي إلى أن يُنَعَّم جسم لم يتعب في طاعة الله سبحانه وأن يُعَذَّب جسم لم يعص اللهَ سبحانه، وذلك لا يجوز من الله تعالى.
  فالجواب - والله الموفق -: أنَّ الله سبحانه قادر على إيجاد ذلك الجسم الذي أعدمه بعينه وإرجاع ذلك الروح إليه بعينه وتنعيمِهِ أو تعذيبِهِ؛ فلا بُعد في ذلك بعد إقامة الدليل عليه؛ لأن الله على كل شيء قدير، وهو من الممكن غير المستحيل.
  واعلم أن القائلين بصحة إعدام الأجسام اختلفوا في المؤثر في هذا الإعدام، فالذي ذهب إليه جمهور أئمة أهل البيت $: أن المؤثر فيه الفاعل المختار، وهو الله رب العالمين، وهو قول الخوارزمي من المعتزلة، والباقلاني من الأشعرية حكاه عنهما في الشامل، وهو أيضاً قول أبي الحسين الخياط(١) ومحمود بن
(١) هو عبدالرحيم بن محمد بن عثمان أستاذ أبي القاسم البلخي من الطبقة الثامنة من المعتزلة، له كتب كثيرة في النقوض على ابن الراوندي، وكان فقيهاً صاحب حديث واسع الحفظ لمذاهب المتكلمين، وكان ممن يفضل علياً # على سائر الصحابة، تنسب إليه طائفة من المعتزلة تسمى الخياطية. (المنية والأمل باختصار).