[وجه حسن فناء العالم]
  الواصل إليهم جزاءٌ لكان في ذلك (إثبات لحجة الأشقياء على الله تعالى؛ لانتفاء الفرق عندهم) أي: عند الأشقياء (بين من يخافه تعالى بالغيب) أي: قبل يوم القيامة؛ للأدلة العقلية والشرعية المؤدية إلى معرفته تعالى وصدق وعده ووعيده فعملوا بمقتضاها (وبين من لا يخافه تعالى إلَّا عند مشاهدة العذاب) وحين لا تنفع التوبة ولا تُقبل المعذرة؛ فيتوهم الأشقياء استواء الفريقين، فيحتجون على الله تعالى (فيقولون) حين مشاهدة العذاب: (تُبنا) عن عصيانك (كالتائبين) من الذين تابوا قبلنا من المؤمنين (وأطعناك) الآن (كالمطيعين) ممن سبقنا بالطاعة فَلِمَ تعذبنا ولم لا تقبل توبتنا كما قبلتها ممن هو حي مثلنا؟! وهذه حجة الأشقياء التي يتوهمونها على الله تعالى لو وقع الجزاء في الدنيا، (ومع الفناء ثم البعث) أي: مع فناء العالم ثم إعادته (يعلمون علماً يقيناً(١)) أي: علماً لا شك فيه؛ (لأجل فنائهم وإعادتهم أنَّ الله حقٌّ) وأنَّ ما وعد وأوعد به صدق، وأن الفصل بين الدارين بالفناء جعل لتمييز الجزاء، (قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ}) [فصلت: ٥٣]، أي: أطراف الدنيا ونواحي السماء من آيات قيام الساعة التي تتغير بها الأرضُ والسماء (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) من الموت ثم الحياة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أي: أن الله سبحانه هو الحق لا ريب فيه وأنه مجازيهم بما عملوا، (و) يعلمون أيضاً (أن الواصل(٢) إليهم جزاءٌ) لهم على أعمالهم (قطعاً) أي: علماً لا شك فيه؛ (لإخبار الله تعالى إياهم بذلك) أي: بالمجازاة (في الدنيا على ألسنة الرسل) À، (ولإخبارهم أيضاً في الآخرة به) أي: بأنه جزاء، (فيكون) ذلك (أعظمَ حسرةً على العاصين وأتمَّ سروراً للمُثابين مع انتفاء حجة الأشقياء على الله تعالى)؛ لِمَا شاهدوه من الفصل بين الدارين، فلا يمكنهم المساواة بين من تاب قبل موته وقبل
(١) في الأصل و (ب): «بتّاً». وما أثبتناه من (أ).
(٢) في الشرح الكبير: ما وصل.