[التناصف بين الظالمين والمظلومين]
  إلى ربه ويتوب من عظيم ذنبه، قال الله سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام: ١١٠].
  وأما قبول التوبة: فهو تفضل أيضاً وَعَدَ الله به عباده وهو لا يُخلف الميعاد، وقد كان العاصي عقيب عصيانه يستحق العقوبة عقلاً.
  ومما يدل على ما ذكرناه من أقوال(١) الأئمة $ قول الوصي - كرم الله وجهه في الجنة - في بعض خطبه بِصِفِّين ما لفظه: (وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ).
  وقوله #: (فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ، وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ، وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ(٢)، وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ - لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ، وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ، وَتَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ(٣) قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً، وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً، ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ - مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ
(١) في (أ): قول.
(٢) قال الإمام يحيى بن حمزة # في شرح النهج: (فوالله لو حننتم حنين الُولَّه العِجَال): الحنين: هو شدة الشوق، والُولَّه: جمع واله، وهو الذي ذهب عقله من شدة الوجد والحزن، والعِجَالُ: جمع عجالة، وهي الناقة التي تسرع إلى ولدها. (ودعوتم بهديل الحمام): الهديل - بدال منقوطة من أسفل -: هو صوت الحمام، يقال: هدل هديلاً مثل هدر هديراً، وإنما قال # بهديل الحمام لأن العرب تزعم أنه كان على عهد نوح # فرخ اصطادته جوارح الطير قالوا: فليس حمامة إلا وتبكي عليه إلى الآن. (وجأرتم جؤار متبتِّلي الرهبان): الجؤار: هو التضرع، والتبتل: هو الانقطاع من الدنيا وإهمالها إلى الله تعالى، والرهبان: جمع راهب، وهم هؤلاء الذين يكونون في الصوامع رغبة إلى الله وانقطاعاً إليه، وتخلياً عن الدنيا، فهم حابسون لأنفسهم فيها. الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي للإمام يحيى بن حمزة #: (١: ٤٦٦ - ٤٦٧).
(٣) (لو انماثت قلوبكم انمياثاً): ذابت أفئدتكم ذوباً. الديباج الوضي: (١: ٤٦٨).