(فصل:) [في وجوب معرفة أنه لا بد من رسول عقلا]
  (قالوا) أي: مخالفونا في ذلك: (قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥] فَدَلَّ) ذلك (على أنها) أي: الصلاة ونحوها (ألطاف في العقليات)، قالوا: وروي عن النبي ÷ أنه قيل له: إنَّ فلاناً يُصلي بالنهار ويسرق بالليل، فقال: «إنَّ صلاته لتردعه»(١).
  (قلنا:) ليس مجرد فعلها هو الناهي عن الفحشاء والمنكر، (بل هي سبب) في حصول الناهي، وهو زيادة العقل، و (التنوير الذي أراده الله تعالى بقوله: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩]، أي: تنويراً) في قلوبكم (تَفرُقون به بين الحق والباطل) أي: زيادة في العقل من تأثير ما يبقى على ما يفنى، ومراقبة العلي الأعلى، ومعرفة حقه جل وعلا، (فهي) أي: الصلاة (كالناهي) عن الفحشاء والمنكر؛ (لَمَّا كانت سبباً لحصول التنوير الزاجر عن ارتكاب القبائح، وذلك لم يخرجها عن كونها شكراً لله تعالى).
  فإن قيل: إذا كان التنوير إنما حصل بسبب الصلاة وقد ثبت أن التنوير لطف في النهي عن الفحشاء والمنكر؛ فكذلك سببه، وهو الصلاة، تسمية للسبب باسم مَسَبَّبِهِ.
  قلنا: كلامُنا في وجه وجوبها وهو لا يلزم من ذلك أنها إنَّما شُرعت لأجل ذلك، فهاتِ الدليلَ كما دَلَلْنا على أن وجه وجوبها كونها شكراً؟
  و (قالوا) أيضاً: (وردت الشرائع على كيفيات مخصوصة) كالقيام والقعود والطهارة في الصلاة، والسعي والمشي والوقوف وغير ذلك في الحج، والإمساك عن الطعام والشراب في الصوم، وغير ذلك (ولا يقتضي ذلكَ) أي: الكيفيات المخصوصة (نعمةُ السيِّد على عبده) وإنما تقتضي الاعترافَ بها والتعظيم لِمُولِيْهَا.
  (قلنا: بل تقتضي) نعمة السيد (الامتثالَ) من العبد (بفعلها) أي: فعل
(١) رواه الثعلبي في تفسيره عن جابر، وروى قريباً منه أحمد بن حنبل في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة بلفظ: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق. ونحوه.