(فصل:) [القرآن كلام الله اتفاقا]
  وأما الشرع: فلما بيَّنا أن المسموع من أي قارئٍ كان من بَرٍّ أو فاجرٍ مسلم أو كافر سَّماه الشرع قرآناً وكلام الله كما قال تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ}[التوبة ٦]، وإن كان المسموع هو عين فعل القارئ؛ ولهذا يتعلق به المدح والذم والأمر والنهي. انتهى كلام المحجة.
  قلت: هو فعل القارئ من جهة الحكاية والاتباع، وهو فعل الله حقيقة من جهة الابتداء والاختراع، فالمدح والذم والأمر والنهي يتعلق به من جهة حكايته، والتسمية حقيقة لغوية من جهة ابتدائه وحكايته، والعقل يحكم بذلك، واللغة جارية بذلك؛ فأصلها وعرفها هنا واحد؛ لأن القرآن عَرَضٌ خَلَقَهُ الله واخترعه وجعله عَرَضَاً يحتاج إلى محل، وجعل لنا القدرة بما ركَّب فينا من القوة والآلات على اتَّباعه والنطق بحروفه وترتيبه ونظمه. قال الإمام أحمد بن سليمان # في (الحقائق): اعلم أن النطق بالكلام على وجهين: حكايةٌ، ومبتدأٌ:
  فالمبتدأُ: ما ينطق به الإنسان ويبتدعه من نفسه من الكلام.
  والحكاية: هو ما ينطق به من كلام غيره، من ذلك القرآن ففعله فيه الحكاية إذا تلاه، والمحكي هو فعل الله.
  وكذلك ما حُكِيَ من كلام المتكلمين فذلك الكلام لمن ابتدعه وهو مفعول له لَّما حكاه، كما أن البَنَّاءَ والنَّجَارَ والصانع والنَّسَّاج فِعْلُهُمُ التأليف والحركةُ والسكونُ، وفعل الله الأجسام، وهي مفعولهم.
  وكذلك القراءة لهم فعل والقرآن مفعول لهم وهو فعل الله وهو عَرَضٌ. انتهى. وهو معنى ما ذكرنا.
  رجع الكلام إلى الاستدلال على حدوث القرآن فنقول:
  الذي سبق ذكره هو دليل على حدوثه، (وقد) أكَّده السمع حيث (قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (الآية [الأنبياء ٢] ونحوها)، كقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف ٣] {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}[الشعراء ٥]، وغير ذلك.